المثقفة وحدها، وهو ما يوجب على الشِّعر أن يتصف بالمباشرة والوضوح التامّين. على أن الإشكالية المشار إليها ليست إشكالية معاصرة ترتبط بالفجوة القائمة بين لغة الكتابة ولغة المشافهة فحسب، بل هي تعود إلى قرون طويلة سابقة حيث كان الناس جميعاً يستخدمون الفصحى في الشوارع والبيوت والأماكن العامة.
لقد واجهت الحداثة الشِّعرية منذ انطلاقتها قبل سبعة عقود ونيف الكثير من الحملات الشعواء التي اتهمت أصحابها ودعاتها بالتعمية والتعقيد والغرق في الغموض الشديد الذي يلامس حدود الأحاجي والمعميات. على أن الذين يأخذون على النموذج الشِّعري الحداثي نزوعه إلى الغموض والإبهام ينسون، أو يتناسون، أن أزمة الإيصال لا تتعلق بالقصيدة الحديثة وحدها، ولا بلغة الشِّعر بوجه عام، بل هي تتمثل بدايةً في طبيعة اللغة المكتوبة نفسها بما هي نظامٌ ترميزي منفصل عن الوجود المحسوس للأشياء والموجودات.
ليس هناك من شاعر، من حيث المبدأ، إلا ويتمنى أن يكون مفهوماً من قراء كتبه على الأقل، وإلا لما سعى إلى طبع أعماله ونشرها على الملأ. لكن المشكلة الأصعب لا تتمثل في العلاقة بين الشاعر والمتلقين الأفراد الذين يقرأون نصوصه، كلٌّ على حدة، ويحوّلون تلك القراءة إلى نوع من كتابة جديدة لها، بل في العلاقة بين الشاعر والجمهور، حيث يخضع الكثير من شعراء المنابر لمتطلبات الحشد الكسول ويتماهى إلى حد بعيد مع استمرائه للنصوص السهلة والمسلية التي لا يتطلب فهمها أي جهد يُذكر.
وإذا كان قول دوراس ينسحب على لغة الأدب بوجه عام فهو ينسحب على الشِّعر أكثر من أي فن آخر. فالنص الجيد يفاجئ كاتبه ويثير دهشته قبل أي أحد آخر. لا بل إن ثمة جوانب من النصوص العالية تظل مستغلقة ومبهمة حتى بالنسبة إلى كتّابها أنفسهم، فكيف الحال مع القارئ أو المستمع؟! ذلك أن المسافة بين الشاعر في أثناء الكتابة وبين الشاعر خارجها هي المسافة نفسها بين المجاز والحقيقة، بين الباطن والظاهر، كما بين النص والقارئ.
على أن من الخطأ في المقابل أن نتحدث عن أزمة التواصل بين الشِّعر والجمهور بشكل مطلق، ودون أن نميّز بين شاعر وآخر. فالبعض استطاع أن يضيّق الفجوة لا عن طريق التصميم المسبق والتقصد المفتعل، بل بحكم الموهبة المتقدة والصدق العاطفي والانصهار الكامل بلغته وموضوعه، أو بواسطة الإحالات المشهدية التي تؤالف بين الحسي والحدسي، أو عن طريق الإصغاء العميق إلى صوت الجماعة والحفر باتجاه المياه الجوفية التي يلتقي في رحابها عطش البشر وتوقهم المفرط إلى الارتواء الجمالي والروحي.
المملكة العربية السعودية أحدث الأخبار, المملكة العربية السعودية عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
مصدر: aawsat_News - 🏆 16. / 53 اقرأ أكثر »
مصدر: RTARABIC - 🏆 28. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: RTARABIC - 🏆 28. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: aawsat_News - 🏆 16. / 53 اقرأ أكثر »
مصدر: aawsat_News - 🏆 16. / 53 اقرأ أكثر »
مصدر: AlArabiya - 🏆 7. / 63 اقرأ أكثر »