و يقف جنباً إلى جنب مع فحول القصيدة العربية التقليدية، لينشد في رثاء الأخطل الصغير قصيدته الميمية التي يحفظ الكثيرون من أبياتها قول الشاعر «أنت في لبنان والشعر له/ في ربى لبنان عرشٌ ومقامُ/ أنت في لبنان والخلْد هنا/ والرجال العبقريون أقاموا/ حملوا الكون على أكتافهمْ/ ورعوا غربته وهو غلامُ. غرسوا الحب فلما أثمر الحب أهدوه إلى الناس وهاموا».
قد تكون تجربة الفيتوري، على المستويين الشخصي والإبداعي، واحدة من أكثر التجارب الشعرية التي تفتح شهية النقاد والدارسين لتناولها بالكتابة والتحليل. ليس فقط لخصوصية موضوعاتها وعناصرها الأسلوبية، بل لأن المفارقات التي حكمت شخصية الشاعر وتحولات مسيرته الحياتية، لا تحصر دراسته في المستوى النقدي التقليدي، بل تترك لعلمي النفس والاجتماع أن يقولا الكثير في طبيعة هذه التجربة وتتبّع انعطافاتها الدراماتيكية ومآلاتها المتعارضة.
يؤكد محمد الفيتوري في تقديمه المسهب لأعماله الشعرية، التي صدرت في بيروت عام 1972، على أن بواكيره الموزعة بين نبرتي الحزن والرفض كانت تتغذى من المعاناة التاريخية القاسية لقارته السمراء، بقدر ما تتغذى من معاناة شخصية موازية تَسبب بها شعور عميق بالفقر والمهانة تبدو انعكاساته في غير قصيدة من قصائده. وقد تكون جرأة السياب، الذي سبقه في العمر والتجربة، على الاعتراف بدمامته التي جعلت نساء العراق يكتفين بالافتتان بشعره دون شخصه، هي واحدة من العوامل التي دفعت الفيتوري إلى القول «دميمٌ...
لكن البوصلة التي رسمت لمحمد الفيتوري سبل الوصول إلى جوهر الشعر من جهة، وسبل تجاوز عقد نقصه الشخصية عبر نقلها إلى الخانة الأوسع المتصلة بالدفاع عن قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، من جهة أخرى، ما لبثت أن انقلبت على وجهتها الأساسية لتقوده إلى التماهي الكامل مع صورة الطاغية التي سبق أن صب عليها جام غضبه قبل ذلك.
على أنه ليس من العدل بمكان أن نكتفي بقراءة شاعر متميز كمحمد الفيتوري من جانب سقوطه السياسي وحده، أو من الجانب المتعلق باستمرائه لمقتضيات الإنشاد المنبري والتحريضي، بل تجب قراءته أيضاً في تجلياته الروحية العميقة، وفي براعته الأسلوبية العالية. فالخيارات الخاطئة لصاحب «أقوال شاهد إثبات» لا ينبغي بالقطع أن تحجب وهجه الشعري عن الأعين.
وفي هذا المقال يلقي الشاعر العراقي عارف الساعدي نظرة على «لعنة الفيتوري» على شعراء السودان وكيف غطت شهرته على آخرين لا يقل إسهامهم أهمية عنه
المملكة العربية السعودية أحدث الأخبار, المملكة العربية السعودية عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
مصدر: skynewsarabia - 🏆 19. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: France24_ar - 🏆 24. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: aa_arabic - 🏆 8. / 63 اقرأ أكثر »
مصدر: France24_ar - 🏆 24. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: BBCArabic - 🏆 14. / 59 اقرأ أكثر »
مصدر: cnnarabic - 🏆 5. / 63 اقرأ أكثر »