رُبما كان من غير المستساغ أن يكون فقيهٌ حنبلياً وعقلانياً في نفس الوقت؛ إذ إنه من المشهور أنّ الحنابلة نصوصيون، لدرجة أنّ مصطلح"أهل الحديث" يُراد به غالبا عند إطلاقه جموع الحنابلة، لكن العجيب أنّ الإمام ابن عقيل الحنبلي كان ميّالا كل الميل إلى المعتزلة رغم نبتته الحنبلية!!
وعند التحقيق نجدُ أنَّ كثيراً من علماء الإسلامِ وافقوا المعتزلة والشيعة والخوارج وغيرها من الفِرَق في كثير من المسائل، بل إنه ما من مذهب إلا وكان بعض فقهائه موافقين للمعتزلة خاصة في الكثير من آرائهم تصريحا أو تلميحا؛ فالجوينيّ مثلا خالف السلف في اشتراط القرشية في الإمام، واتفق مع الخوارج في عدم اشتراطها، وجعل الأمرَ إلى اختيار الأمة وانتخابها.
وخالف أبو الطيب الباقلاني الأشعريَّ في كثير من المسائل حسبما نصّ عليه الغزاليّ في ‘فيصل التفرقة‘؛ حيث يقول:"من أين ثبت له كونُ الحقِّ وقْفاً عليه حتى قضى بكفر الباقلانيّ إذ خالفه في صفة البقاءِ لله تعالى، وزعم أنّه ليس وصفاً زائداً على الذات؟! ولمَ صار الباقلانيّ أولى بالكفر بمخالفة الأشعريّ من الأشعريّ بمخالفة الباقلاني؟".
وهو في مذهبه التوفيقي هذا شابهته قلّة قليلة في تاريخ الإسلام، ممن حاولوا التقريب والاحتواء والتوليف على مستوى رجال المذاهب ومقولات المذاهب، مثل العز ابن عبد السلام الشافعي الذي انتقد تطرف بعض الأشاعرة في التكفير؛ والقرافيّ المالكي الذي جوّز التلفيق المذهبيّ، وخرج عن بعض أقوال مذهبه المالكي. وغيرهما من علماء يجود بهم الدهر ليُجددوا أمر الدين، ويُعززوا الدرس الفقهي بقراءاتهم العميقة.
كما ترجم ابن الجوزي لتلميذ ابن عقيل الآخر أبي جعفر ابن الزيتوني الذي كان حنبليا ثم انتقل إلى"مذهب أبي حنيفة...، وصار متكلما داعيا في الاعتزال"، عكس شيخه ابن عقيل الذي كانت عائلته حنفية المذهب فتحنبل هو. لمّا مات الشيخ أبو يعلى -الذي كان ابن عقيل أحد تلامذته المخلصين- انفرد ابن عقيل بخلافته في مرجعية المذهب، لكن أحد تلامذة أبي يعلى النبهاء وهو الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي -وهو الذي تولى غسل وتكفين أبي يعلى إشارة إلى كونه الأحقّ بميراث الشيخ العلميّ- لم يقبل بخلافة ابن عقيل لأبي يعلى، وكان أكثر الحنابلة ينظرون بريبة إلى تصدر ابن عقيل بعد وفاة شيخهم، ودعموا تصدر الهاشمي فأصبح –بتعبير الذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘-"إمام الطائفة الحنبلية في زمانه بلا مدافعة".
2- شخصية الهاشمي المتشددة مذهبياً والتي لا تعرف أيّ تنازل للخصوم من خارج المذهب أو داخله، وكان شديد الوطأة على المخالفين يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنفسه، وله دور كبير في فتنة ابن القشيري -أو فتنة الحنابلة- سنة 469هـ التي مات فيها عدد من الحنابلة والأشعرية، مما أدى إلى تدخل قصر الخلافة للإصلاح بين المتصارعين، وهو ما ساهم في تعزيز مرجعية الهاشمي عند الجماهير الحنبلية. ومن هنا ندرك بعض أسباب شدته تجاه ابن عقيل.
save_idlib
المملكة العربية السعودية أحدث الأخبار, المملكة العربية السعودية عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
مصدر: Arabi21News - 🏆 26. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: Akhbaar24 - 🏆 4. / 63 اقرأ أكثر »
مصدر: dw_arabic - 🏆 1. / 68 اقرأ أكثر »
مصدر: almowatennet - 🏆 15. / 59 اقرأ أكثر »
مصدر: aawsat_News - 🏆 16. / 53 اقرأ أكثر »
مصدر: almowatennet - 🏆 15. / 59 اقرأ أكثر »