، ما تبقّى من «ملح الأرض»، ذلك التوصيف الذي خلعه المسيح، عليه السلام، على أتباعه الأوائل من أهالي فلسطين التاريخية، قبل أن تَتعبّأ الديانات داخل قوميات وتُتّخَذ عناوين لأقوام ومجتمعات. وقد استطاعت مؤلّفة الكتاب أن تقدّم خلاصة موثّقة عن أناس آثروا أن يظلّوا شاهدين على تعاليم معلّمهم رغم الصعاب والشدائد.
وأنّ تراجع أعدادهم في الراهن ليس تحدّياً للدول العربية وحدها، بل لسياسة التعايش في الداخل الإسرائيلي أيضاً. وما من شكّ في أنّ المسألة في الوقت الحالي لا تقف عند حدود الاعتراف بحقوق المسيحي الفلسطينيّ على أرضه، بل تتخطى ذلك أيضاً إلى خلق وفاق اجتماعي وثقافي من شأنه أن يغذّي الرغبة الجماعية في العيش معاً.
وأمّا في فلسطين ومع سنوات الانتداب البريطاني الأولى، فقد انتظمت الحركة الوطنية الفلسطينية في جبهة موحَّدة تقريباً، وذلك ضمن وفاق إسلامي مسيحي آمن بعروبة فلسطين. وبدا ذلك التلاحم جلياً في الدور الذي لعبته عائلة الغوري المقدسية المسيحية. فقد كانت تُعقد اجتماعات وجهاء المسيحيين في بيت العائلة لصياغة المطالب للمندوب البريطاني. وقد أعرب الأهالي المسيحيون في إحداها عن عدم اعترافهم بمفتٍ آخر غير الحاج أمين الحسيني وذلك أثناء حملة تنصيبه .