لن تمر جائحة كورونا ويطويها النسيان، حتى تكون تجربتها المريرة قد وضعت، مجدداً، الأساسات والمداميك لقيامة جديدة للدولة من تحت الأنقاض. لنتذكّر أن عاصفة الوباء الهوجاء هبّت في الوقت عينه الذي كان فيه خطاب «النهايات» قد قطع شوطاً طويلاً في «التبشير» بنهاياته: نهاية الدولة، نهاية المجتمع، نهاية السيادة، نهاية الأيديولوجيا ...إلخ.
والحق أن كيان الدولة كان قد بدأ يضمحل، قبل هبوب عاصفة الوباء، ويدب إليه الكثير من الوهن بعد تجربة مريرة من الانكفاء، مرت بها الدولة، فرضها فشو أحكام العولمة التي زحفَت، وقلصت من مفعولية أحكام الدول الوطنية ومنظوماتها القانونية والتشريعية. بات على الدولة، مع الزمن وسريان مفعول عولمة الهيمنة، أن تُخضِع نفسها لأحكامها وأن تحُد، بالتالي، من ممارسة وَلايتها الحصرية ضمن نطاق حدودها الجغرافية السياسية.
ما إن بدأ الوباء يفشو ويحصد ضحاياه، حتى شرعت الدولة الوطنية في استعادة عافيتها، تدريجياً، والانتهاض من رقدتها المديدة لتباشر مسؤوليتها في حماية المجتمع من غائلة الخطر الذي يفتك به.
وما من شك يخامرنا في أن هذه الانتعاشة، التي شهدت عليها الدولة، ليست عارضة وموقوتة أو ممّا يمكن أن يخبو وتنطفئ جذوته ما إن ترتفع أسبابه؛ ذلك أن التمرين المديد الذي خضعت له قوى الدولة وأجهزتها، في اختبار جائحة الوباء، سيعود عليها بأجزل العوائد والمنافع؛ سيقوي كيانها ويبعث فيه الحيوية والفاعلية؛ وسيرفع من معدل رصيدها المعنوي- والمادي- لدى الشعب، وبالتالي، مشروعيتها وشرعيتها ومن الشعور الجمعي بالحاجة الحيوية إليها.
ترى كيف كان سيكون مصيرنا- مصير شعوب الأرض كافة- في هذه الجائحة الوابقة لولا الدولة؟ يصعب على المرء أن يتخيل ما الذي كان سيحصل من دونها؛ من غير أن تحمِل عن المجتمع الضغوط الهائلة التي ألقاها الوباء على الصحة والحياة والمعيش اليومي والأمن، والتي لا قِبَل لأي مجتمع من مجتمعات الأرض بأن يحملها من غير إسناد من الدولة. ما كنت متزيداً، إذن، حين كتبت منذ زمن ما لا أزال شديد الاقتناع به: أن الدولة هي أعظم اختراع إنساني في التاريخ؛ وبه دشّنتِ الإنسانية مسيرة البناء والتقدم.
الإمارات العربية المتحدة أحدث الأخبار, الإمارات العربية المتحدة عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
مصدر: emaratalyoum - 🏆 1. / 68 اقرأ أكثر »
مصدر: emaratalyoum - 🏆 1. / 68 اقرأ أكثر »
مصدر: emaratalyoum - 🏆 1. / 68 اقرأ أكثر »
مصدر: alkhaleej - 🏆 3. / 63 اقرأ أكثر »
مصدر: alkhaleej - 🏆 3. / 63 اقرأ أكثر »
مصدر: alkhaleej - 🏆 3. / 63 اقرأ أكثر »