نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

لا تقاعد في أميركا بل العمل حتى النهاية

عادة ما يتطلع الأميركيون إلى تقاعد مريح. فبعد أربعة عقود من العمل في وظائف إدارية أو في منصب أو في أحد المصانع، يطرح الأميركيون في الستينات من العمر أعباءهم للاستمتاع بآخر عقدين، للاسترخاء وقضاء بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء، والتفكير في حياتهم. لكن الأزمة المالية، دفعت الأميركيين الأكبر سناً للاستمرار في وظائفهم.
يرى البعض في هذا توجهاً إيجابياً، لأنه يضيف إلى الاقتصاد. لكن آخرين ينظرون إليه بقدر من التشاؤم، لأن هناك احتمالاً واضحاً ألا يتمكن كثير من هؤلاء المسنين من التقاعد. وسواء كانت مدخراتهم قد تبددت أثناء الأزمة العقارية، أو أنهم لم يتمكنوا من توفير ما يكفي من المال، أو أن أبناءهم لا يجنون ما يكفي من المال لدعمهم، فإن تراجع التقاعد يبدو كأنه تطور ينذر بالشؤم.
ومن المرجح أن تزداد الضغوط على الأميركيين الأكبر سناً للعمل خلال السنوات المقبلة. يعود السبب في ذلك إلى أن اليد العاملة من الشباب ستحتاج لدعم المتقاعدين، الذين يتحتم عليهم مواصلة العمل.
منذ 10 أعوام مضت، كانت معدلات الخصوبة في الولايات المتحدة مرتفعة على نحو غير عادي بالنسبة لدولة متقدمة. وكان معدل الخصوبة الإجمالي - وهو عدد الأطفال المتوقع الذين تنجبهم المرأة طوال حياتها - نحو 2.1 طفل لكل سيدة، وهو المستوى المطلوب لاستقرار السكان على المدى الطويل. بيد أن هذا المعدل انخفض إلى 1.8 عام 2016، ما يدل على انكماش السكان على المدى الطويل.
ويعزى الجانب الأكبر من هذا إلى تراجع في الخصوبة بين ذوي الأصول الإسبانية، الذين تتقارب معدلات ولاداتهم مع المجموعات الأخرى. كما لعب الركود الكبير دوراً محفزاً أيضاً، حيث تجعل التوقعات بانخفاض الدخل والثروة بشكل دائم تربية الأطفال تبدو كأنها احتمال مرعب أكثر من الناحية المالية.
وتعني قلة عدد الأطفال، في نهاية المطاف، عدداً أقل من العمال الشباب لدعم زيادة عدد المتقاعدين. وسيؤدي ذلك إلى انخفاض الأموال المدفوعة في نظامي الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ما يتطلب إما خفض الإعانات، أو رفع سن التقاعد، أو ارتفاع معدلات التضخم أكثر من أي وقت مضى. والتجارب السابقة تشير إلى أن الأميركيين قد يطلب منهم العمل لفترة أطول.
وتمكنت الولايات المتحدة من رفع معدلات انخفاض الخصوبة في السابق، في أواخر ثمانينات القرن العشرين. ولكن كما كتب الخبير الاقتصادي ليمان ستون، فإن هناك أسباباً وراء عدم تكرار التاريخ نفسه. فارتفاع وتزايد تكلفة الإسكان ورعاية الأطفال والتعليم لا تظهر أي علامة على إمكانية ارتفاع معدلات الخصوبة مجدداً. والحاجة إلى مستويات أعلى من التعليم من أجل الفوز بفرص أفضل في سوق العمل الأميركية تدفع كثيراً من الأسر إلى التأخر في الإنجاب، ما يؤدي إلى عدد أقل من الأطفال. ويتوقع ستون انخفاض معدلات الخصوبة في الولايات المتحدة إلى 1.5 أو 1.4 - المستويات السائدة في اليابان وبعض الدول الأوروبية.
هناك مصدر آخر للنمو السكاني في الولايات المتحدة الذي يعتمد تقليدياً على الهجرة. يسهّل المهاجرون ذوو المهارات المنخفضة تربية الأطفال من خلال توفير خدمات رعاية الأطفال الرخيصة. المهاجرون ذوو المهارات العالية يكسبون أكثر ويدفعون كثيراً من الضرائب، في الوقت الذي لا يلجأون فيه إلى استخدام كثير من الخدمات الحكومية لأنفسهم، ما يعني أن مساهمتهم المالية إيجابية للغاية.
لكن الهجرة منخفضة المهارات إلى الولايات المتحدة تراجعت، وهذا يعني أن رعاية الأطفال باتت أكثر تكلفة. وقد تتقلص هجرة أصحاب المهارات العالية قريباً، لأن سياسات الرئيس دونالد ترمب وخطاباته تجعل البلاد أقل ترحيباً بالمهاجرين الأفضل في العالم.
وبعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها قريباً دون أكبر رافدين للسكان على المدى الطويل، وقد ينتهي بها المطاف أمة طاعنة تتقلص، مع تحمل الشباب عبء دعم كبار السن، وسيجد كبار السن أنفسهم مجبرين على العمل لفترة طويلة فيما يعتبرونها سنوات ذهبية.
وإجمالاً، فإن الولايات المتحدة سوف تسير على خطى اليابان. كانت اليابان تمتلك معدل خصوبة منخفضة لفترة أطول من الولايات المتحدة، وحتى عهد قريب كانت الهجرة لديها قليلة. وعلى الرغم من زيادة الهجرة، فإنها في الغالب من النوع الأقل مهارة، ومع رواتب منخفضة غير تنافسية وثقافة شركات عقيمة، واجهت اليابان صعوبة كبيرة في جذب الأجانب ذوي المهارات العالية.
ونتيجة لذلك، تعرض نظام الضمان الاجتماعي في البلاد لضغوط كبيرة. ومع تقدم البلد في السن أكثر وأكثر، دأبت اليابان بشكل متكرر على رفع سن التقاعد، وخفضت الإعانات، ورفعت الضرائب على السكان العاملين. وسمحت للمسنين بالمطالبة بزيادة في إجمالي الفوائد إذا أجلوا سن التقاعد.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»