علينا أن نكون متأهبين للمائة وثمانين يوما القادمة وما بعدها، لمواجهة موجة المحتجين ضد تحديث أنظمة قوانين الإثبات، التي أُعلنت مع بداية 2022، ولنا في تلك الأصوات التي ظهرت مع تطبيق قانون التشهير بالمتحرش أو المتحرشة خير مثال، وخاصة من تلك الفئة التي أدمنت تلقي توجيهاتها من أصحاب الفتاوى المتطرفة والأفق الضيق، والتي تسمح بإثارة الفوضى، وتكوين تركيبة مجتمعية لا تؤمن بخروج المرأة للعمل المختلط، ولا قيادة السيارة، فتبدأ بتصدير رأيها، وما يقتضيه من أوامر إلى أدلجة بعض العقول التي لا تعترف بمعنى الوطن، لتبدأ بتجهيله وتحويله إلى قطيع يساق.

إن وجود مثل هذه التغذية المضللة، التي تخدم أجندة سياسية، يعد تعديا صريحا على سيادة القانون في الدولة، وتضليلا لعقول سمحت لهم باستدراجها إلى الهلاك والتفجير وساحات القتال، وسيستمر الزج بهم كأدوات مسلوبة الأهلية في وجه المدفع.

لذلك نحن أمام أنظمة وقوانين مدنية قادمة تحتاج إلى تهيئة المجتمع، والتمهيد لمعنى احترام القانون ومعنى سيادته، وماذا يعني اختراقه أولا، وقبل أي شيء.

لا شك أن تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة ووزاراتها وهيئاتها في توعية المجتمع بمعنى سيادة القانون سيخلق مجتمعا متعاونا وواعيا ومنسجما بكل مكوناته، بدءا من تعليم النشء في المدارس والجامعات، وقد توفر منصات التعليم الإلكترونية الكثير من الحلول، وتذلل العقبات، وتدعم المناهج بتأصيل قيم الانتماء كسلوك، وليس كمعنى يردد.

ففي فنلندا، أحد أساليب تعليم الانتماء في المراحل الأولى من التعليم يكون على شكل سرد قصص مثل خروج الطائر من السرب، وما ينتج عنه، أو كوجود ذئب يهدد قطيع الماشية، وغيرها من الإستراتيجيات التي تجعل الانتماء سلوكا عقلانيا، وكذلك بمقارنة نماذج من قوانين الطبيعة، وما ينتج حال خللها أو اختراقها.

وتمتد التهيئة لاحترام القانون من خلال منابر المساجد، والخطاب الديني المحقق لهذه الغاية. وأيضا من خلال إطلاق شعار لهذه المرحلة، وتفعيله بين كل أفراد المجتمع في الأماكن العامة من خلال اللافتات الإرشادية أو الشاشات الإعلانية في الشوارع العامة.

هذه التهيئة الواعية هي أيضا تنمية لروح المواطنة الحقيقية، وما تقتضيه من مسؤولية تجاه مجتمع يسهم في ترسيخ قيم العدل والعدالة، ولمعالجة نزعة التمرد ضد إحلال الأمن والسلام والإنصاف،

التي تسعى لتأصيله بعض الأجندات الخارجية، ولتنظيم المجتمع من فوضى الازدواجية، التي تحاول إيجادها من خلال شق وحدة المجتمع بفتاوى وأحكام متطرفة تتناسب مع أهوائها السياسية، ولتقليل التصادم بين أفراد المجتمع من مؤيد ومعارض للأنظمة والقوانين في قادم الأيام، ولتقليل الانسياق خلف مؤججي الهاشتاقات المضللة مستقبلا، ولتجنيد فكر أبناء الوطن بالوعي الذي يحميه، ويحصن مناعته من فيروسات الفكر المختل.