لعل الكثير من البشر يتمنون في سريرتهم أن تتكفل الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية، بإنجاز هذه المهمة، شرط أن يصيب الموت أحداً غيرهم، وأن يظلوا هم ومن يحبون بمنأى عن الكارثة. ولعل الكاتب اليوناني الشهير نيكوس كازانتازاكيس كان أكثر جرأة من سواه حين تحدث في مذكراته المشوقة «تقرير إلى غريكو»، عن المشاعر الغريبة والمتناقضة التي انتابته، إثر زلزال عنيف ضرب جزيرة كريت اليونانية وقتل الآلاف من سكانها.
لا شك بأن الفضائيات المعولمة والعابرة للقارات، قد أسهمت إلى حد بعيد في الكشف عن النوازع السادية العميقة التي يستبطنها البشر في لاوعيهم الجمعي، لا إزاء أعدائهم فحسب، بل إزاء من يفترض أنهم يقفون معهم في الخندق نفسه. وهو ما ظهر جلياً في حرب الخليج الثانية، حيث نجحت هذه الفضائيات في تنفيس مشاعر الاحتقان والغضب المتأتية من فظاعة الحرب على العراق وعنفها اللاأخلاقي، وتحويل كل ذلك إلى متعة بصرية ومشاهد مثيرة للفضول.
وإذا كان لهذه الحادثة من دلالات، فهي لا تكشف فقط عن تعلق المثقفين بصديقهم المصاب وحبهم له، بل تكشف في الآن ذاته عن «استعجالهم» استشهاده؛ لأن المعركة مع العدو تحتاج إلى ذخيرة دموية دائمة من جهة؛ ولأنهم يحتاجون من جهة أخرى إلى مواد ملائمة لتدبيج المقالات وتوليد القصائد. وقد روى لي ممدوح عدوان، أنه حين التقى محمود درويش، بُعيد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت بأشهر قليلة، سأله الأخير: «هل تكتب شعرا هذه الأيام؟»، فأجاب صاحب «للريح ذاكرة ولي» بالنفي.
غير أن الشعراء الذين طالما أتعبهم البحث عن شهداء جدد لتوفير «وقود» إضافي لقصائدهم، لم يكونوا يعلمون أن للصورة وجهها الآخر، وأن ثمة من سيستعجل رحيلهم هم، بمجرد أن يطول بهم العمر أو يرقدوا منهكين على أسرة المرض. وما حدث لعلي فودة، تكرر مع سواه مرات ومرات. وما زلت أذكر في هذا السياق كيف أشاع البعض نبأ رحيل نزار قباني، قبل رحيله الفعلي بعامين اثنين.
لم يكن السياسيون من جهتهم بمنأى عن مثل هذه الإشاعات التي لا يكف خصومهم عن إطلاقها، لأسباب تتعلق بالنزاع على السلطة، أو بسبب تقدمهم في السن، أو بسبب الأمرين معاً، كما في حالة الرئيس اللبناني ميشال عون. إلا أن الأمور تأخذ في الأنظمة الاستبدادية طابعاً أكثر حدة، حيث لا سبيل إلى إزاحة الحاكم الأبدي «المتأله» إلا بالموت الطبيعي، كما حدث لفرانكو، أو بالقتل كما حدث لسواه، وإلا فبالدعاء والتمني واستعجال الفرج عن طريق الشائعات.
المملكة العربية السعودية أحدث الأخبار, المملكة العربية السعودية عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
مصدر: Arabi21News - 🏆 26. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: RTARABIC - 🏆 28. / 51 اقرأ أكثر »
مصدر: cnnarabic - 🏆 5. / 63 اقرأ أكثر »
مصدر: aawsat_News - 🏆 16. / 53 اقرأ أكثر »
مصدر: dw_arabic - 🏆 1. / 68 اقرأ أكثر »
مصدر: RTARABIC - 🏆 28. / 51 اقرأ أكثر »