مرة‎ جديدة تفتح الإمارات العربية المتحدة أبواب التسامح والتصالح أمام العالم، وتستجلب صُناع السلام من كل الأمم وكل الشعوب وكل القبائل، في قمة عالمية تعقد للمرة الثانية على أرض الإمارات التي باتت بمثابة رسالة للأخوة والمحبة، ومنارة للتنوير الإنساني والوجداني، رسالة تنقل العالم إلى رحابة المودات وبعيداً عن ضيق الأيديولوجيات والدوجمائيات، رسالة تتجلى في حلها وترحالها، في واقعها الحي المعاش حيث أكثر من مائتي جنسية ينشدون ألحان التناغم الخلاق على أراضيها صباح كل يوم.
على‎ أرض دبي انطلقت القمة هذا العام وشعارها يستدعي وقفة تأمل عميقة :«التسامح في ظل الثقافات المتعددة: تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وصولاً إلى عالم متسامح».
يلفت‎ الشعار الموضوع بذكاء إلى جزئية غاية في الأهمية في زماننا المعاصر، تلك المتعلقة بتحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وكأني بصانع الشعار يشير إلى قضية العدالة الاجتماعية، وأنه من دون منافع متبادلة، ومن غير جسور ممتدة بالمودات، وحال غياب العدل بين الأمم والشعوب لن يكون هناك تسامح، ومن جلي القول أنه حال غياب مثل تلك القيمة الأخلاقية السامية، يغيب بشكل تقليدي السلام من العالم، ولنا في ذكريات الحرب العالمية الأولى مثال ودليل، فقد غابت العدالة في اتفاقية إنهاء الحرب، ولهذا كان من المؤكد قيام الحرب العالمية الثانية.
التئم‎ الشمل الساعي في طريق سلام الأمم ونور الشعوب على أرض إمارات السلام والمودات، السراج المنير في منطقة ومن أسف شديد أصيبت بداء عدم قبول الآخر، وبأصوليات كارهة لا علاقة لها بجذور التسامح والكرم والشهامة العربية ولا بوسطية الإسلام المعروفة.
التقى‎ الجمع والعام الجديد على الأبواب، والأمل في أن تكون القمة فضاء مفتوحا ومنصة حوارية تستهدف تعزيز القيم الإنسانية، ونشر مبادئ التسامح والتقارب وقبول الآخر دون تمييز، وإرسال رسالة محبة وسلام إلى شتى أنحاء العالم، والتأكيد على الدور الذي تلعبه في مجال تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات والتي تأتي متسقة مع دعم مبادئ الاحترام المتبادل وتحقيق الأمن والسلام للبشرية.
ولعل‎ قمة دبي العالمية للتسامح هذا العام تتميز بالإعداد الذي سبقها لا سيما سلسلة الزيارات التي قام بها فريق عمل القمة لعدد من الدول الأوروبية مثل هولندا وبلجيكا وفرنسا.
‎ هذه الزيارات تحمل أهمية خاصة في سبيل توسيع نطاق المشاركة التي تعتبر أكبر وأهم حدث يُعنى بتأصيل قيم التسامح والتعايش ونشر ثقافة السلام، كما تدل على حرص اللجنة على تفعيل وتوسيع علاقات التعاون والشراكة التي تربطها مع كافة الأطراف الفاعلة في هذا الشان.
ذهب‎ فريق عمل القمة العالمية إلى أوروبا ليساهم بشكل إيجابي وبناء في مواجهة ومجابهة الاسلاموفوبيا التي تنتشر انتشاراً ضاراً في أوروبا اليوم، تلك التي نجح بعض المغالين في التطرف في تصدير رؤى منحولة تخيف الأوروبيين من عينة «أسلمة أوروبا»، وما شابه.
ما‎ يكسب الإمارات ورؤاها للسلام والتعايش والحوار، إنها كالماء الجاري الصافي المتجدد، لا تكرر ولا تستنسخ اللحظات أو الأفكار، فهي تجدد كل عام أفكارها بما يكسر حواجز الجمود، سواء جمود الأرثوذكسيات السياسية أو الذهنية.
على‎ سبيل المثال إنها في القمة الأخيرة استحدثت فعاليات من أبرزها «المعرض الحكومي للتسامح»، حيث تعرض عدة جهات حكومية مشاريعها ومبادراتها المتعلقة بالتسامح والتنوع والتعايش السلمي في بيئة العمل، وكذلك تسليط الضوء على مشاركاتهم الفعالة في الأحداث التي تدعم قيم التسامح.
‎ عبر قمة دبي أُتيح للتسامح أن يطل بأعينه وناظريه على المقيمين على أرض الإمارات من خلال قناة عبر اليوتيوب تحدثوا فيها عن خبراتهم الحياتية المعاشة على أرض الإمارات، ومساحة التسامح التي يتشاركها أهل الدولة معهم، ما يعني تجاوز فكرة التنظير الفكري أو الايديولوجي المكتوب والمسموع أو المقروء.
‎ لمن يتوجب علينا أن تقدم بالتهنئة في مناسبة قمة دبي، وعلى عتبات نهاية عام التسامح 2019، هل للقائمين على العمل أم المشاركين فيه؟
‎ أغلب الظن وأفضله في ذات الوقت أن التهنئة واجبة للقيادة الإماراتية الخلاقة التي مضت يدا بيد مع شعوب العالم وهيئاته الدينية والثقافية والاجتماعية، من أجل القفز على مشاعر الكراهية، ودروب العماية والغواية، تلك القيادة التي حطت بالإمارات على دروب السلام ومساقات المودات التي هي الأصل.
*كاتب مصري