لدى الهند طموحات كبيرة للغاية في مجال الفضاء وهي تقترب من تحقيق بعض طموحها في استكشاف الفضاء بإطلاق ناجح لبعثتها إلى القمر لاستكشاف القطب الجنوبي وهو المنطقة التي لم تستكشف إلا قليلاً في القمر. وبعثة القمر التي يطلق عليها «تشاندرايان 2» تستهدف هبوطاً منضبطاً بالقرب من القطب الجنوبي من القمر في أعقد مهمة فضائية تجريها دولة من جنوب آسيا. والصاروخ الذي يحمل البعثة إلى القمر انطلق من محطة الفضاء التابعة لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية يوم الاثنين الماضي.
ومرت لحظات قلق ولهفة فيما يتعلق بهذا الإطلاق لأن أول محاولة لإرسال البعثة قد أرجئت قبل أسبوع بسبب مشكلة فنية. والمشكلة تم إصلاحها خلال أسبوع بعد أن عمل العلماء ساعات إضافية لتحديد المشكلة وإصلاحها خاصة في اليومين الأخيرين. ووصف رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» هذين اليومين بأنهما كانا «لحظات خاصة ستُنقش في حوليات تاريخنا المجيد». وإذا نجحت الهند في مهمتها، فستصبح رابع دولة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين تهبط بنجاح على سطح القمر وترسل طوافاً حوله. وهذه ثاني بعثة للهند إلى القمر. والبعثة الأولى دُشنت في أكتوبر 2008 حيث ألقت بمسبار على سطح القمر.
وبعد أن تمت عملية الإطلاق الحالية كما كان مخططاً لها، أصبح التحدي الأكبر أمام علماء الفضاء الهنود هو توجيه «مركبة القمر» إلى مدار القمر، ثم الإبحار بنجاح في عملية هبوط منضبطة لمركبة الهبوط المنتجة محلياً على سطح القمر المغطى بالفجوات والصخور. ثم سيُرسل الطواف لدراسة سطح القمر والبحث عن الماء في بعثة تكلفت عشرة مليارات روبية.
وكانت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) قد أكدت عام 2018، وجود مياه على سطح القمر. والأسابيع السبعة أو الثمانية المقبلة ستكون حاسمة لبعثة الهند إلى القمر لأن بعثة «تشاندرايان 2» سيتعين عليها السفر من مدار الأرض إلى مدار القمر الذي ينتهي عنده جاذبية الأرض وتبدأ جاذبية القمر. ورغم أن الهند فعلت هذا من قبل في الماضي، لكن هذا لا يضمن تلقائياً النجاح في المرة الثانية. والتحديات الأخرى أمام العلماء الهنود هي استمرار الاتصالات مع «تشاندرايان 2» لأنه بعد القيام بهبوط آمن على سطح القمر، يتعين إرسال الطواف للاستكشاف. ومصدر القلق الأساسي لهذه المهمة هو أن الطواف متصل مع مركبة الهبوط التي تعد الوسيلة الوحيدة التي يمكنها الاتصال بالمسبار الذي يرسل الرسائل والصور إلى الهند.
وأخذت الهند تبني برنامجها الفضائي محلياً على مدار العقدين الماضيين. وأصبح لها ريادة في عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية قليلة الكلفة. فقد أطلقت عشرات الأقمار الاصطناعية الأجنبية في الفضاء بما في ذلك ثمانية أقمار لصالح سنغافورة. وبرنامج الهند للفضاء الذي كان المقصود منه في البداية تحسين اتصالات الأقمار الاصطناعية وتطبيقات الاستشعار عن بعد مثل رصد توقعات المناخ وإدارة الكوارث تم فصله في السنوات القليلة الماضية ليصبح فرعا مستقلا لاستكشاف الفضاء.
وفي مايو 2014، أطلقت منظمة أبحاث الفضاء الهندية مسبار (المريخ) لتصبح أول دولة في آسيا تصل إلى الكوكب الأحمر بعد أن فشلت الصين في هذا. وبلغت كلفة المسبار الهندي نحو 70 مليون دولار فقط مقارنة مع 671 مليون دولار أنفقتها ناسا على مسبار «مافن». وفي أبريل من هذا العام، أسقطت الهند قمراً اصطناعياً في الفضاء لتصبح واحدة من أربع دول لديها مثل هذه القدرة في العالم.
لكن هذه البعثة تحمل معها اهتمامات كثيرة لأنها مرحلة مهمة في برنامج الهند للفضاء. وهي أكثر البعثات تعقيداً التي تم تنفيذها وستثبت أوراق اعتماد الهند كدولة قادرة على استكشاف الفضاء. وإذا نجح العلماء الهنود في إتمامها، فسيثبتون بذلك سمعة الهند كدولة قادرة على القيام بمهام معقدة، ويضعون الهند في مكان بارز على خريطة استكشاف الفضاء. وفي نهاية المطاف، تتعلق المهمة بالمنظور طويل الأمد للهند في عملية استكشاف الكواكب، مثل البعثة إلى المريخ والكواكب الأخرى التي تحتاج إلى قدرات أساسية مثل حساب المسار والرحلات ما بين الكواكب والتحكم الدقيق في التوجيه والإبحار إلى جانب القدرة بالتأكيد على مهارة الهبوط على الكواكب الأخرى لدراسة خصائصها العملية.
المراهنات المتعلقة بهذه البعثة، إذن، مرتفعة إلى حد كبير. ومن الواضح أن الهند لا تريد أن تتخلف فيما يتعلق باستكشاف الفضاء حين يكون العالم مستعداً للبدء في بناء محطات فضاء. والهند تحرص بشكل خاص على إبراز براعتها في بعثات وعلوم الفضاء. وأعلنت العام الماضي عن نواياها لإرسال بعثة بها رواد فضاء. ورئيس وزراء الهند حريص إلى حد على كبير على هذا ويهتم شخصيا بمراقبة تقدم هذا البرنامج. ولا شك في أن نجاح البعثة إلى القمر سيكفل للهند أن تصبح في مقدمة الدول المهتمة بعملية استكشاف الفضاء.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.