استراتيجية أمنية وعسكرية مغايرة لألمانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد سقوط جدار برلين، تزعمت المانيا الموحدة آنذاك أنصار النظام العالمي الليبرالي الصاعد، حيث كانت ألمانيا تنظر لنفسها على أنها دولة ديمقراطية منفتحة اقتصادياً مع «ثقافة ترحيبية» والتزام بحقوق الإنسان، وقدّمت نفسها للعالم على هذا الأساس ولكن بينما قوة ألمانيا الاقتصادية جعلتها في موقع قريب من قمة العديد من التصنيفات العالمية المتعلقة بالقوة الناعمة، فإن عقوداً من الاستثمار المحدود في القوات المسلحة يعني أن الأداء الألماني كان أقل بكثير من ثقلها العسكري.

قبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كانت السياسة الخارجية الألمانية تعتمد على اتحاد أوروبي أقوى من أي وقت مضى وعلاقات متكاملة تماماً عبر الأطلسي، والإيمان بالتغيير من خلال التجارة والحوار العالمي وضبط النفس عسكرياً، ولكن بينما كان ذلك النهج ناجحاً بشكل عام، إلا أن العنصر العسكري من ذلك النهج كان مصدر إزعاج للحلفاء قبل الحرب الحالية بوقت طويل. لقد اشتكى الرؤساء الأمريكان منذ جورج بوش الإبن من الإنفاق الدفاعي الألماني المحدود حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي نهج ألمانيا على أنه مزيج من التردد ومحاولة الحصول على المنافع بالمجان.

والآن، تلوح في الأفق أسئلة مزعجة. كيف ستبدو الاستراتيجية الأمنية الجديدة في ألمانيا وما مقدار تكلفتها؟ إلى جانب التكاليف الاقتصادية مثل أسعار الطاقة الأعلى والمزيد من الدين العام، فإن هناك أبعاداً اجتماعية وبيئية. هل سيقبل الألمان إعادة فرض التجنيد الإجباري أو سياسات ستصعّب من عملية تحقيق أهداف نزع الكربون؟

بعد الاتهامات التي وجهت إلى ألمانيا في هذه الحرب، لم تكن هناك نقاشات تذكر في المانيا، فلقد عاد البرلمان الألماني إلى أجندته الاعتيادية وكأن شيئاً لم يحدث.

إن هذا الضعف يجب أن يتوقف. إن إحدى الوسائل لضمان تحقيق ذلك هو تأسيس مجلس أمن قومي ألماني علماً أنه قد تم اقتراح إقامة مثل ذلك المجلس منذ زمن طويل ولكنه لم يتحقق. إن مثل هذا المجلس يمكن أن يؤدي إلى إنجاز استراتيجية متماسكة تتعلق بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية. إن وجود مجلس للأمن القومي بالقرب من المستشارية يعني أنه سيكون بمثابة منسق للسياسة المركزية مما يساعد في التغلب على الانقسام الذي غالبًا ما يميز استجابات الوزارات الفيدرالية للأزمات.

لكن يجب أن يكون مجلس الأمن القومي أكثر من مجرد وكالة تنسيقية وذلك لأن مهمته ستكون سياسية بالتأكيد، حيث سيتوجب على هذا المجلس إطلاق وإدارة النقاش الذي تجنبته ألمانيا لفترة طويلة، علماً أن توصياته يجب أن تحظى بدعم شعبي عريض، ونظراً لتلك المتطلبات، فإن ذلك المجلس يجب أن لا يضم سياسيين وخبراء أمنيين فحسب، بل أيضا ممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني وربما الناتو والاتحاد الأوروبي.

إن السياسة الخارجية المستقبلية لألمانيا يجب أن تصحح الإخفاقات السابقة، وخاصة تجاهلها لعالم من الدول السلطوية القوية. لقد أثبت النموذج القديم للقوة الاقتصادية والثقافية الخيّرة أنه لا يتماشى مع الواقع. إن الطرح الجديد يجب أن يحافظ على التزامات ألمانيا الأوروبية وعبر الأطلسي وتجنب الاعتماد على سلاسل التوريد الحرجة. تحتاج المانيا إلى أن تكون قادرة على التصدي لتأثيرات خارجية معادية، سواء كانت هجمات سيبرانية روسية، أو استثمارات تمولها الصين في البنية التحتية، والأهم من ذلك كله يتوجب عليها مواءمة سياستها الاقتصادية والأمنية مع استراتيجية الدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي.

* أستاذ مساعد للرعاية الاجتماعية في كلية لوسكين للشؤون العامة بجامعة كاليفورنيا لوس أنجليس

Email