10 سنوات فاصلة في تاريخ الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يصبح 2021 هو العام الأسوأ في تاريخ جماعة الإخوان، ليس فقط لجماعة الإخوان المصرية، ولكن للجماعة بأكملها عربياً وعالمياً.

الجماعة مرت بأزمات متعددة منذ تأسيسها عام 1928، لكن الأزمة الأخيرة غير مسبوقة على الإطلاق.

للمرة الأولى في تاريخ الجماعة يتم عزل المرشد أو القائم بأعماله، وللمرة الأولى يكون هذا الانقسام داخل الكتلة الصلبة للجماعة. من يتأمل حال الجماعة خلال السنوات العشر منذ العام 2011 وحتى الآن، سيكتشف حجم التراجع والتردي، وأن السياسة لا أمان لها. فهي قد ترفعك لسدة الحكم في المنطقة بأكملها، وقد تدخلك السجون أو تشردك في المنافي.

بعد موجة ما زُعم بأنه «ربيع عربي»، والتي بدأت نهاية العام 2010 في تونس، ثم مصر في 25 يناير 2011، وبعدها سوريا وليبيا واليمن، صعد الإخوان إلى ذرى لم يحلموا بها.

وكانت قمتها حينما سيطرت الجماعة على البرلمان المصري بمجلسيه الشعب والشورى، نهاية العام 2011، ثم شكلت الحكومة، وسيطرت على منصب رئيس الجمهورية.

كان الإخوان هم القوة الأكبر في تونس، ثم صاروا القوة الأكثر هيمنة في ليبيا، بعد سقوط نظام معمر القذافي، ومقتله نهاية عام 2011.

في سوريا قفزوا ليصبحوا اللاعب الرئيس عقب تفجر الاحتجاجات في مارس 2011، ثم لعبوا الدور الأكبر في الاحتجاجات اليمنية.

كان لهم وجود سياسي مؤثر في الأردن عبر جبهة العمل الإسلامي، وكانوا هم الداعم الأكبر لنظام عمر البشير في السودان، وتمكنوا من تشكيل كل الحكومات في المغرب طوال السنوات العشر الأخيرة.

ليس ذلك فقط بل كانوا مسنودين بتأييد غربي شامل، خصوصاً من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. ودول أوروبية أخرى خصوصاً بريطانيا، والأهم «الميديا» الغربية الأكثر تأثيراً.

كل هؤلاء اعتقدوا، بحسن أو سوء نية، أن إيصال جماعة الإخوان للحكم سيقضي على العنف والإرهاب والتطرف.

من كان ينظر إلى حال الإخوان بداية من عام 2011، كان سيعتقد أنهم مخلدون في الحكم، وسيبقون فيه لمدة 500 عام، كما قال أحدهم في مصر.

ولكن لأنهم لا يصلحون للحكم، وأفكارهم ومعتقداتهم تتصادم وتتناقض مع مصالح الناس واستقرار البلدان وطبائع الأمور، فقد كان متوقعاً أن يأتي السقوط آجلاً أو عاجلاً، لكن لم يتوقع كثيرون أن يكون السقوط بهذه السرعة والقوة.

السقوط في مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، كان الضربة الأقوى لهذا التنظيم، لأنها كانت الإشارة لبدء سقوط بقية المواقع الإخوانية في العديد من البلدان العربية.

بعد مصر تراجع تأثير «الإخوان» الانتخابي في تونس واضطروا للانحناء للعاصفة، التي أعقبت فشلهم اقتصادياً واجتماعياً. ثم انكشف دورهم في سوريا حينما لعبوا الدور الأسوأ في عسكرة الاحتجاجات السورية، وبدلاً من البحث عن حلول، قاموا بتبني أجندات خارجية، كانت سبباً أساسياً في تحويل سوريا إلى مرتع للإرهاب والعنف والتكفير وتصفية حسابات بين مختلف البلدان، وأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.

ثم جاء تراجعهم الانتخابي في ليبيا، وبدلاً من الانزواء لجأوا لتكوين الميليشيات المسلحة، الأمر الذي أدى إلى نشوب حرب أهلية هناك، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن دورهم في طريقه للتراجع والانتهاء.

ضربة قوية أخرى تعرضت لها الجماعة في السودان، حينما ثار الشعب على نظام حكم عمر البشير المدعوم من الجماعة في ديسمبر 2018، إلى أن تم إزاحة هذا الحكم في أبريل 2019.

ثم جاءت الضربة الأهم بإجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة المدعومة إخوانياً في 25 يوليو الماضي. أما الضربة الأخيرة فكانت في المغرب في أغسطس الماضي، حينما سقطت الجماعة سقوطاً مدوياً في الانتخابات البرلمانية، متراجعة من المركز الأول و125 مقعداً إلى المركز الثامن بـ 13 مقعداً فقط.

كل هذه التراجعات كان منطقياً أن تقود إلى إصابة الجماعة وأعضائها باليأس والإحباط وتكشف لهم أن قادتهم قد تاجروا بهم، وبالتالي كان طبيعياً أن تتفجر الخلافات والمشكلات بينهم وتخرج إلى العلن.

لكن المفاجئ كان في التفاصيل المدهشة عن الفساد داخل الكتلة الصلبة للجماعة، واتهام كل طرف للآخر بأنه مستبد وفاسد مالياً وإدارياً. أتصور أن ما حدث زلزال يحتاج إلى دراسات وأبحاث معمقة تاريخية سياسية واجتماعية وأمنية، كي تفسر لنا تفاصيل هذا الانهيار المريع لجماعة ادعت في البداية أنها «ربانية»، ثم اكتشفنا أن قادتها يتبادلون الاتهامات بالفساد والتزوير والسرقة!.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email