عادي

موسكو وواشنطن.. حوار استراتيجي صعب

23:27 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:
الزيارة التي قامت بها فيكتوريا نولاند المسؤولة الثالثة في وزارة الخارجية الأمريكية إلى موسكو، على الرغم من حظر روسيا دخولها أراضيها، يمكن تفسيرها في إطار نتائج الجولة الثانية من جولات الحوار الاستراتيجي الأمريكي الروسي من واحدة من زاويتين.

الأولى تزامنها مع تصعيد في لهجة الخطاب الإعلامي الروسي ضد الأمريكيين. والثانية أن سماح موسكو لنولاند بدخول الأراضي الروسية ورفع الحظر عنها، هو مؤشر على أن اختراقاً ما قد حصل وأن الزيارة متابعة لما بعد الاختراق والبناء عليه.

المعطيات توحي بأن صعوبات كثيرة تحول دون نجاح جولات الحوار الاستراتيجي الأمريكي - الروسي حتى الآن على الأقل. فهل تغيرات المعطيات التي تشجع الطرفين، خاصة الروس، على توفير مقومات بناء الثقة وصولاً إلى نتائج استراتيجية ينتظرها العالم على أحر من الجمر، ولا يبدو الطرفان المتحاوران في عجلة من أمرهما لتحقيقها؟

كان انطلاق جولات الحوار أحد مفرزات لقاء القمة الذي جمع الرئيسين جو بادين وفلاديمير بوتين في جنيف في يونيو/حزيران الماضي، وعقدت جولة الحوار الأولى بين وفدي البلدين في 28 يوليو/تموز، واتفقا على استمرار جهود الحوار في المستقبل، وهو ما حدث فعلاً؛ حيث عقدت جلسة أخرى يوم 30 أغسطس/آب الماضي.

من الواضح أن تعدد جلسات الحوار واستمراريتها له مدلولاته من حيث حرص الجانبين على تحقيق اختراق في واحدة أو أكثر من القضايا الحرجة التي دفعتهما للتفاوض. لكن الفقاعات الساخنة التي صدرت بعد الجولة الثانية تثير مخاوف لدى المراقبين من تصاعد التوترات وبالتالي وقف الحوار.

أما عن الأسباب التي يمكن أن توصل الحوار إلى طريق مسدود فهي غالباً غير مكشوفة كونها تعتمد إلى حد كبير على التقدم الذي تحرزه واشنطن في سعيها لتشكيل تحالفات لمواجهة الصين وفك ارتباطها الاستراتيجي مع موسكو.

وتوحي الخطوات المتسارعة على هذا الصعيد والتي ظهرت من خلال تحالفات الرباعية الأمنية و اتفاقية «أوكوس» التي تسببت بغضب الأوروبيين ودق إسفين جديد في التحاف الأمريكي - الأوروبي، بأن الأمريكيين جادون في تضييق الخناق على التحالف الصيني - الروسي قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من المواجهة مع الصين، خشية أن تصبح منطقة المحيط الهندي والهادي في قبضتها في ظل التحالفات الجديدة بعد انسحاب الأمريكيين من أفغانستان.

نقاط ضعف أمريكية

ويدرك الروس من جانبهم حجم الورطة الأمريكية ونقاط الضعف في تلك التحالفات، خاصة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي يصرح قادته علناً بأنهم فقدوا الثقة في الشريك الأمريكي. كما يدرك الروس أن قدرة الأمريكيين على الفعل على الصعيد العسكري لم تعد كما كانت، ما يعطيهم فرصة أكبر للمناورة في الحوار الاستراتيجي القائم عندما يتعلق الأمر بالتفاهمات المتعلقة بخريطة السيطرة والنفوذ على المستوى الدولي.

وسط هذه الأجواء عقدت الجولة الثانية من حوار الاستقرار الاستراتيجي الثنائي في جنيف، بعد نحو شهرين من أول لقاء. وترأس الوفد الروسي نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف، بينما ترأست نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، الوفد الأمريكي إلى المحادثات. وفي بيان مشترك صدر بعد الاجتماع، قال الجانبان إن المناقشات كانت «مكثفة وموضوعية»، و أن «الوفدين اتفقا على تشكيل مجموعتي عمل من الخبراء الأولى معنية بالمبادئ والأهداف الخاصة بضبط التسلح في المستقبل، و الثانية معنية بمتابعة القدرات والإجراءات ذات الآثار الاستراتيجية».

مع ذلك تبقى حوافز استمرار الحوار عاملاً رئيسياً في الحيلولة دون وقفه قبل بلوغ أحد الجانبين أو كلاهما، حد اليأس. ذلك أن العالم كله يعرف حجم مسؤولية كل من واشنطن وموسكو في ما يتعلق بنشر ترسانات الأسلحة غير التقليدية التي تسيطران على نسبة 90% منها على مستوى العالم.

وقال ريابكوف في مناقشة عامة في مركز جنيف للسياسة الأمنية قبل أيام، إن روسيا مستعدة للأسوأ في حوار الاستقرار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لكنها تأمل في الأفضل.

محادثات «مفيدة».. ولكن

إلا أن زيارة فكتوريا نولاند، المسؤولة الثالثة في وزارة الخارجية الأمريكية التي سمحت لها روسيا بدخول أراضيها لثلاثة أيام فقط، لعقد لقاءات مع مسؤولين روس، لم تعط الحوار فرصة لمزيد من التقدم حسبما توحي به تصريحات الروس.

فقد قال مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، إن المحادثات التي أجريت في موسكو بين مسؤولين كبار روس وأمريكيين «مفيدة»، لكنها لم تحقق أي اختراق.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف: إن «مواقفنا لا يمكن التوفيق بينها. الأمريكيون لا يسمعون منطقنا ومطالبنا». وأشار ريابكوف، إلى أن أحد أبرز المواضيع التي تم التطرق إليها، كان موضوع التأشيرات والعمل القنصلي الذي شهد اضطرابات كثيرة، بسبب موجات طرد الدبلوماسيين المتبادلة.

وقال ريابكوف للصحفيين عقب مشاورات مع نولاند في موسكو: «تمت مناقشة موضوعات الأمن الإقليمي والعالمي مع مراعاة الجولة الثانية من الحوار الروسي الأمريكي حول الاستقرار الاستراتيجي وتبادلنا التقييمات وكيفية استمرار العمل لاحقاً».

لكن تصريح نولاند التي قالت: إن الموضوع الرئيسي للمحادثات سيكون استعادة العلاقات «المستقرة والتي يمكن توقعها» بين البلدين، يوحي بأن هناك المزيد من الجهود التي ينبغي على الجانبين بذلها للوصول إلى الهدف.

وتختلف موسكو وواشنطن حول عدد متزايد من الملفات العالقة على غرار أزمات دولية وقضايا تدخل في انتخابات، وهجمات إلكترونية وتجسس وغيرها. ودخلت أزمة أسعار الطاقة مؤخراً على خط التوترات؛ حيث اتهمت واشنطن الروس بالمسؤولية عن أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي في لفتة ماكرة سعياً وراء جر المزيد من دوله إلى الموقف المعادي لموسكو. وقد سارعت الخارجية الروسية إلى إدانة تلك الاتهامات وبلهجة متشددة بالقول «هذا كلام وقح وعديم الحياء يواصلون فيه تكرار مثل هذه الاتهامات الباطلة. نحن لم نستخدم أبداً توريد الطاقة كوسيلة للضغط».

والخلاصة أن العلاقات متعددة المسارات بين الدولتين تبقى مفتوحة على احتمالات متباينة نتيجة التوافق على بعض جوانبها والاختلاف على جوانب أخرى، ويبقى أمل العالم معقوداً على رجحان كفة التوافق على كفة الخلاف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"