وعي بصري

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

أنت في إكسبو 2020 دبي، أمام ظاهرة بصرية لا حدود لها، وأمام تجارب فريدة في التصاميم المعمارية والهندسية واللونية، التي تندرج في إطار وعي بصري جمالي، يبرز هنا وهناك، يبرز بين جناح دولة وأخرى، وبين مشهد وآخر، ومن شأن هذه الانتقالات البصرية الأخاذة، أن تنعكس في وجدان المتلقي لتؤسس لرحلة أخرى في التصوير والرؤى والمشهديات، ولنقل الحكايا البصرية والسردية التي سيكون لها ما بعدها في الوجدان البشري.
وحكاية الوعي البصري، هي في الأساس حكاية عربية قديمة، ولنذهب في رحلة إلى نهاية القرن السادس الميلادي والقرن السابع الميلادي، حين ازدهرت مدن عربية كدمشق وحلب والكوفة وبغداد والقيروان وقرطبة والقاهرة ومراكش وفاس، وكانت هذه المدن بمثابة مراكز علمية وعالمية جاذبة لطالبي العلم من كل حدب وصوب، وكانت حينذاك الجامعات العربية مزدهرة، والصناعات كثيرة ومدهشة، وكانت الاختراعات في أوجها، وكان العالم العربي يعيش مجد علومه واكتشافاته في الهندسة والعمران.
وحكاية الوعي البصري، هي معرفة تقود إلى استلهام شيء جديد ليس معروفاً من قبل، ولعل إكسبو دبي في مثل هذا المناخ الاستثنائي، أو الفضاء الأسطوري المبهر، من تنوع وتعدد المشاهد والانتقالات البصرية، التي يشارك فيها العالم بدوله ومفكريه وفنانيه، قد يؤسس لفهم جديد يقود إلى اكتشاف أسرار هذا العالم، ولعل تركيز الدول اليوم على اكتشاف علوم الفضاء ومن بينها الإمارات التي تطمح إلى اكتشاف كوكب الزهرة، هو عتبة أخرى جديدة لتطوير ميكانزمات الإدراك البصري عند العلماء والمكتشفين والمهتمين بالعلوم التجريبية على نحو خاص.
نقول ذلك، ونحن نقرأ سردية مشهدية بصرية، تتجلى في موقع «إكسبو 2020 دبي» من خلال نحو 11 عملاً فنياً أشرف عليها المنسق الفني لمعرض إكسبو دبي طارق أبو الفتوح الذي أدار تجارب مشهدية بصرية معاصرة في الأماكن العامة لفنانين عرب وعالميين قبل بدء انطلاق الحدث العالمي بثلاثة أشهر، تنسجم مع رؤية المعرض (تواصل العقول وصنع المستقبل)، كانت تلك الرؤية هي الأساس والهدف الذي انطلقت من خلاله خطة تصميم الموقع للترحيب بالعالم، ويجعل من هذا الموقع امتداداً عمرانياً مستقبلياً لمدينة دبي بعد أن يغلق الحدث الدولي أبوابه في 31 مارس 2022، ويتحول إلى منظومة الابتكار الحضرية «دستركت 2020» التي ستمثل نموذجاً لمدن المستقبل الذكية.
نتحدث عن وعي بصري مستقبلي، قائم على التجريب، ونستند على تراث بصري جمالي أبدعه علماء عرب مثل ابن الهيثم، والخوارزمي، فالأول هو  من أوائل العلماء الذين درسوا القواعد الرياضية الخاصة بالدائرة، والمثلثات، ونظرية قوانين قياس المثلثات، والتي استند عليها علماء الرياضيات البارزون في أوروبا.
وابن الهيثم، في سبيل إنعاش الذاكرة كان قد صحح بعض المفاهيم السائدة في عصره والتي كانت تعتمد نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس، فأثبت حقيقة أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين، وليس العكس، وإليه تنسب مبادئ اختراع الكاميرا، وهو أول من شرّح العين تشريحاً كاملاً ووضح وظائف أعضائها، وهو أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار. 
أما الخوارزمي، فهو أيضاً، رياضي عربي مسلم، ساهمت أعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات في عصره، ومن أبرز كتبه (المختصر في حساب الجبر والمقابلة).
إكسبو والوعي البصري.. حكاية جميلة، محفزة للعقل، ومنتجة للإبداع، وحلقة فاصلة في تصور عالم جديد وطموح، وفعال وإيجابي، يربط الماضي بالحاضر، ويحلم بمستقبل يترجم الحلم إلى رؤى وفضاءات تليق بالإنسان، تليق بساكني الأرض، الذين اكتووا من نار الشتات والغربة وتحطم الأحلام وانكسارات الأرواح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"