عادي
صحوة فرنسية بعد «صفقة الغواصات»: بايدن ينتهج سياسة ترامب

تحالف «المحيطَين » يعمق الشرخ الأمريكي ـ الأوروبي.. و«الجائزة» للصين

00:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
وزيرة الخارجية الاسترالية مارايس بايين ونظيرها الامريكي انتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد اوستن عقب مناقشات في مقر الخارجية الامريكية في واشنطن(أ.ب)
رئيس وزراء استراليا سكوت موريسون وقائد قوات الدفاع الجنرال انقي كامبيل(رويترز)

كتب: المحرر السياسي
تتعاظم خيبة الأمل الأوروبية من إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بعد أن دخلت العلاقات بين باريس وواشنطن في أزمة مفتوحة بعد إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية، واستبدالها بأخرى أمريكية عاملة بالوقود النووي، ما دفع فرنسا إلى وصف الأمر بأنه «طعنة في الظهر»، وقرار «على طريقة ترامب»، في وقت توالت التساؤلات عن مستقبل خريطة التحالفات الجديدة، بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، واستمرار نمو القوة الصينية بثبات في المجالات المختلفة، وأهمها الميدان العسكري والتمدد في مياه المحيطات.

خيبة الأمل جاءت من إبرام واشنطن شراكة عسكرية مع لندن وكانبيرا في المحيطَين الهندي والهادئ، من دون أن يكون للعواصم الأوروبية، باريس وبرلين على الخصوص، علم أو إشعار، وباتت القناعة أن الولايات المتحدة لم تتغير خطوط استراتيجية سياستها الخارجية، ورأت في هذه الخطوة استمراراً لشعار «أمريكا أولاً» الذي رفعه عالياً الرئيس السابق، دونالد ترامب. كما تبلورت قناعة بأن بايدن يميل أكثر من أي وقت مضى لتكريس «التحول» باتجاه آسيا الذي باشره قبل نحو عقد من الزمن الديمقراطي باراك أوباما، (2009-2017) حين كان الرئيس الحالي نائباً له.

وبالنسبة إلى فرنسا، المتضرر الأول من هذا «التحول»، فإنها تشعر بمرارة غير مسبوقة، وتؤكد بعض أوساطها أن ما حصل «خيانة استراتيجية»، لتسارع إلى بعض الخطوات الاحتجاجية، منها إلغاء حفل استقبال كان مقرراً، أمس الجمعة، في مقر إقامة السفير الفرنسي بواشنطن بمناسبة ذكرى معركة بحرية حاسمة في حرب الاستقلال الأمريكية توجت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في 5 سبتمبر/ أيلول 1781. وإزاء هذه «الطعنة في الظهر»، كما وصفها وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، وفقا لمقابلة أجراها مع الإذاعة الفرنسية المحلية «فرانس إنفو»، يتذكر الساسة الأوروبيون، على الأرجح، مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، إن الولايات المتحدة «ليس لديها أصدقاء أو أعداء دائمون، لديها مصالح فقط».

خسارة صفقة القرن

ويأتي غضب فرنسا رد فعل على إلغاء أستراليا لعقد وقعته في إبريل/ نيسان 2016، مع شركة فرنسية للتعاقدات البحرية لبناء أسطولها المؤلف من 12 غواصة، في صفقة وصفت بأنها «صفقة القرن بالنسبة إلى الصناعات الدفاعية الفرنسية» تقدر قيمتها ب66 مليار دولار أمريكي. وبحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» اتهم مسؤولون فرنسيون في واشنطن، كبار المسؤولين الأمريكيين بإخفاء معلومات حول الصفقة، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين الفرنسيين الذين اشتبهوا في وجود شيء ما قيد الإعداد، حاولوا معرفة المزيد، لكنهم لم يحصلوا على المعلومات حتى وقعت الصدمة. وبعدها قال مسؤول أمريكي إن واشنطن تحدثت عن محاولات إبلاغ الحكومة الفرنسية بقرار الرئيس الأمريكي، قبل صباح الأربعاء، لكنها لم تتمكن من تحديد موعد للمناقشات مع باريس قبل ظهور التقارير الإخبارية على الإنترنت. واعتبرت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، في حديث لإذاعة فرنسا الدولية، أن فسخ أستراليا للعقد الذي أبرمته مع باريس هو قرار خطير على صعيد السياسة الدولية، ويشكل «نبأ سيئاً جداً بالنسبة لاحترام الكلمة المعطاة».

غفوة وصحوة

ولا شك في أن هذه الصفحة من التوتر بين باريس وواشنطن استمرار لعلاقة مأزومة منذ بداية 2019، عندما تبادل الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تصريحات لاذعة، حين اعتبر أن التحالف مع واشنطن ضمن حلف شمال الأطلسي «ميت دماغياً»، ليرد ترامب واصفاً تصريحات ماكرون بال«مقرفة»، ويبدو أن العلاقة بين الحليفين القديمين منذ حرب الاستقلال الأمريكية دخلت في مرحلة حرجة، وربما تشرف على «الموت» كما ماتت شجرة الصداقة (البلوط) التي زرعها ماكرون وترامب في حديقة البيت الأبيض، ولم تعمر إلا أياماً معدودات واختفت في ظروف مريبة.

ورغم أن بايدن الذي كان يقول في أشهره الأولى في البيت الأبيض إن رسالته هي عودة الولايات المتحدة إلى حلفائها، يبدو تلك الخطابات أدخلت الحلفاء الأوروبيين في غفوة لم تدم طويلاً، وصحوا على تغيرات مفجعة بدأت مع الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، لتأتي صفقة الغواصات لتؤكد أن سياسة واشنطن، ليست خيار إدارات، بل إرادة دولة تعمل على حماية مصالحها بما تراه مناسباً.

لا تناقض

بينما «تقف أوروبا على حافة الهاوية»، كما قال ماكرون يوماً، تتواصل احتفالات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بتحالفها الجديد، والتأسيس لشراكة أمنية وعسكرية واسعة النطاق في مياه جنوبي آسيا، تضع في صلب أعينها احتواء العملاق الصيني، على الرغم من أن القادة الثلاثة، بايدن ورئيسي وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وأستراليا سكوت موريسون، لم يذكروا بالحرف اسم الصين، ولم يفصح بيانهم الختامي، الذي صدر عقب قمتهم عبر الفيديو، يوم الأربعاء الماضي، عن ذلك أيضاً، وإنما اكتفى بالإشارة إلى «السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، وممّا لا شك فيه أنّ التحالف الجديد يهدف قبل كل شيء إلى مواجهة الطموحات الإقليمية لبكين باعتماد مختلف السبل.

ومن منظار واشنطن لا يتناقض التحالف في المحيطين الهندي والهادئ بالضرورة مع النهج متعدّد الأطراف الذي روج له جو بايدن. كما أنّ مواجهة «التحدي الصيني» تحتاج «إلى كل الإرادات الطيبة».

ولطالما كرّر بايدن منذ انتخابه القول إنّه ينوي، على غرار سلفه ترامب، مواجهة الصين، ولكن بطريقة مختلفة تماماً عن التي اعتمدها الملياردير الجمهوري والتي اتّسمت بمواجهة مباشرة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. واستشرافاً للمستقبل، فإن كل شيء جائز سياسياً وأمنياً، وإن السرعة المذهلة لتنامي القوة الصينية، إضافة إلى تحالفها القوي مع روسيا، ربما سيسرع بتمزيق خريطة التحالف الجديد.

الصين في انتظار الجائزة

إذا كانت الولايات المتحدة تنشر حالياً في المحيطين الهادي والهندي خمساً من حاملات طائراتها الإحدى عشرة، فإن الصين بدأت ببناء ثالث حاملة طائرات، وما زالت تبني مزيداً من المدمرات والغواصات. وفي كل الأحوال لا يمكن أن يدفع هذا التحالف بكين إلى الانكماش والتقهقر، بل ربما يمنحها مساحة للمناورة على خريطة العالم المختلفة، وقد يمنحها «جائزة» نهاية السباق، وربما تفاجئ واشنطن وبرلين وكانبيرا باختراق كبير في أوروبا عبر صيغة متطورة للعلاقة مع باريس وبرلين، فزيارة ماكرون لبكين في 2019 أسفرت عن صفقات ب15 مليار دولار، وظلت فرنسا تدافع منذ عهد شارل ديجول عن «علاقة طيبة» مع بكين. أما ألمانيا، التي تعتبر القوة الاقتصادية الأولى في البر الأوروبي، فقد رفضت مستشارتها، أنجيلا ميركل، مراراً أن تحشر برلين في المعسكر الأمريكي ضد الصين، ولذلك الموقف حسابات ورهانات، لا يمكن أن تكون خاطئة بالمجمل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"