حكومة لبنان.. التأليف بين التسوية والمخاوف

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط ميزان جامح إلى غموض كثيف، لا يمكن تجاهل احتمالاته السلبيّة أسوةً بالإيجابيّة، بدأ المكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مساراً جديداً لتأليف الحكومة. ففي حال قُيِّض له النجاح في الانتقال من التكليف إلى التأليف، يمكن الاستنتاج بأنّ ظروفاً جذريّة تبدّلت وعطّلت أخيراً مسار التعطيل الممتدّ منذ نحو عام، وتحديداً منذ استقالة حكومة حسّان دياب عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس من العام الفائت، وما تلاها من تكليف كلّ من مصطفى أديب واعتذاره بعد أسبوعين، ومن ثمّ تكليف سعد الحريري واعتذاره بعد نحو 9 أشهر، علماً أنّ الكلّ يتحسّب لموقعة «4 أغسطس»، وليوم قد يأتي بالحساب الشعبي، بعد تعذّر الحساب السياسي ورفع الحصانات.

وفي حصيلة المشهد، وغداة انتهاء جولتَي الاستشارات، المُلزِمة منها وغير المُلزِمة، انطلق قطار التأليف، في ظلّ أجواء إيجابيّة، وكلام عن تأليف سريع ‏يسبق موعد الذكرى السنويّة الأولى لانفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس المقبل، وإنْ كانت هذه الإيجابيّة في حسابات البعض، تأسيساً على التجارب الطويلة، تقتضي ضرورة توخّي الحذر، لجهة عدم الإفراط في التفاؤل ولا تعميم ‏التشاؤم، وبالتالي التعامل بواقعيّة وانتظار النتائج التي ستفضي إليها ‏الحركة السريعة والرغبة القائمة بالتأليف.



معطيات.. وترقّب

وحيث إنّه لا يزال مبكراً القفز المتسرّع إلى التقديرات المتعجّلة في ‏شأن الظروف المتاحة لميقاتي لبدء عملية التأليف بالسرعة التي توخّاها، فإنّ المعطيات الماثلة حتى الآن ‏تشير إلى انطلاق الاختبار الحاسم لتأليف حكومة اختصاصيّين. وذلك، وسط أجواء أوليّة إيجابيّة ‏عكستها المعلومات التي أفادت بأنّ تصوّراً أوليّاً للملامح العامّة للتشكيلة الحكومية، التي ‏يزمع ميقاتي تقديمها، جرى تناوله بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والرئيس المكلّف، وأن ثمّة اتجاهاً إلى الدفع نحو استعجال تأليف الحكومة، ما لم تظهر الأفخاخ والمطبّات المخفيّة في ‏قابل الأيام. وعليه، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ ميقاتي ينطلق في مهمّته بنسب متعادلة بين إمكان التشكيل وعدمه، وهذا في حدّ ‏ذاته تقدّم إلى الأمام ومؤشر إلى أن ولادة الحكومة أصبحت ممكنة، بينما كانت متعذّرة ‏بالكامل سابقاً.

وعلى وقع التقاطعات الداخليّة حول ضرورة التأليف، والزخْم الخارجي الضاغط، فإنّ ثمّة من يعتبر أنّ لكلّ مرحلة أحكامها وظروفها، ولا يجوز إسقاط التجربة السابقة على الحاليّة. إلّا أنّ العامل الحاسم ‏والأساسي الدافع إلى التأليف السريع يبقى في أنّ ظهور الجميع ‏أصبحت على الحائط، في ظلّ خياريْن لا ثالث لهما: إمّا التأليف سريعاً ‏لفرملة الانهيار، أو الارتطام الكبير.



ولادة سريعة

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ المتفائلين يؤكدون أنّ ولادة الحكومة ستكون أسرع بكثير مما يتوقّعه البعض، فيما يقارب المتشائمون المفاوضات الجارية حالياً قياساً على التجربة السابقة على مدى 9 أشهر. أمّا الواقعيون، فيتناولون مسار التأليف الذي انطلق لا من باب التفاؤل ولا من زاوية التشاؤم، بل من منظور الحوار البنّاء بين الشريكيْن الدستوريّيْن المعنيّيْن، عون وميقاتي، بهدف الوصول إلى اتفاق، تماماً كما ينصّ الدستور.

وبين التفاؤل والتشاؤم، وبالاستناد إلى التجارب السياسيّة التي سادت طيلة سني العهد حتى لحظة تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، الاثنين الفائت، فإن لا سابقة تجعل الرابط بين التكليف والتشكيل حتميّاً وقائماً. ذلك أنّ الاتفاق على الخطوط العريضة للحكومة غير كافٍ، لأنّ تفصيلاً صغيراً يمكن أن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. وعليه، فإنّ العبرة هي في الآتي من الأيّام وفي إمكانيّة تقديم التنازلات المتبادلة. وبالتالي، فإنّ المدّة الفاصلة عن 4 أغسطس قد تكون قصيرة من ‏أجل ولادة حكومة تحتاج إلى اتفاق على الإطار العام، مصحوب باتفاق ‏على توازنات الحكومة العتيدة. وفي حال حصول هذا الاتفاق، يكون ‏لبنان أمام رقم قياسي في تأليف الحكومات.

Email