السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«سكيك الشعراء».. بانوراما الإبداع الأصيل

«سكيك الشعراء».. بانوراما الإبداع الأصيل
18 مارس 2021 00:56

محمد عبد السميع (الشارقة)

يمثّل «سكيك الشعراء» في متحف إمارة عجمان حاضنةً توثيقيّةً، ومشروعاً مهمّاً في توفير إبداع الشعراء الروّاد، ممن أثروا المشهد الشعري في عجمان وفي الإمارات عموماً، ويهدف هذا العمل الذي لاقى مباركةً وإشادةً كبيرة من مبدعين وشعراء، لأن يكون واجهةً حضاريّة، تشيع لدى زوّار المتحف ذكريات ووقفات مع نتاجات إبداعية لعشرة شعراء، تُعرض أمام عين الرائي الذي لابدّ أن ينسج من خلال سِيَرهم الجميلة وزمنهم الضّاج بالحركة الشعريّة ومجالس الشعر كتاباً ذهنيّاً وخريطة ملوّنة بعبق الماضي، ومحطّات اشتهر بها هؤلاء الشعراء من واقع تنوّع إبداعاتهم وثراء قصائدهم، وأيضاً إسهاماتهم الكبيرة في توثيق التراث الإماراتي وطباعة دواوين الشعراء.
فمن هؤلاء الشعراء من كان أيضاً -بالإضافة إلى كونه شاعراً- موثقاً وراوياً وجامعاً للشعر، أو يشغل وظيفةً حكوميّةً ذات علاقة بالتراث وبرامجه، أو منتمياً إلى جمعيات عاملة في هذا المجال.
وغنيٌّ عن التذكير الفترة الزمنيّة لشعراء هذا «السكيك» كعمل مُتْحَفي ثقافي وطني، والتي تبدأ منذ القرن الثامن عشر فما بعد، تغطي فترة تشكّل ذاكرة الإمارات الشعريّة، وتعطي المهتمّ والمؤرّخ والمعني بتفاصيل الشعر، في موضوعاته ومدارسه الأدبيّة وطريقة كتابته، إطلالةً جميلةً ومفيدةً لتشكيل الصورة الزمنية والحياتيّة والأدبيّة في مجال الشعر النبطي أو الشعبي. فهؤلاء الشعراء هم نماذج إبداعيّة لأرشيف إماراتي كبير وثري، سيكون عُدّةً للأجيال في استحضار واستذكار ماضيهم، والانطلاق منه نحو المستقبل لنُعطّره برائحة التراث ورونقه الذي يرسم لنا أسلوب الحياة، ومنهج حب الوطن، وانفتاح الوجدان الإماراتي على تفاصيل إنسانيّة غنيّة بالأصالة والجمال.
ويلمس الزائر لهذا المتحف، حين يدلف بين هذه الجدران الذهبيّة في الذاكرة، والمزيّنة بالإبداع، والتي يتحدث أصحابها عن أنفسهم من واقع قصائدهم المتوهّجة، تكاملاً يحمله التنوّع في بناء القصيدة، وأغراض الشعر الوطني والعاطفي الشفيف، والتعبير عن محطّات عاشها هؤلاء الشعراء، وعبّروا عنها أحسن تعبير، وفق نشأتهم المجتمعيّة، أو تحصيلهم العلمي أو وظائفهم أو اهتماماتهم التي انعكست على أشعارهم، لتكون مرآةً لريادتهم الزمنية قبل اتحاد الإمارات وبعده، وهو ما يعطينا صورة بانوراميّة ثقافيّة، عن أوجه التناول الشعري، ومدى قرب لهجة الشعراء أو وجود فروق بينها، تبعاً للبيئة التي انطلق منها كلّ شاعر يكتب القصيدة الإماراتيّة في سماء الإبداع.

هوية وأصالة
ولا يخفى ما لهذا المشروع الوطني النبيل من أثر بالغ في توثيق نماذجنا الشعريّة، وتعزيز الإحساس بالهويّة والأصالة، لأنّ الزائر لهذا المتحف، ستنثال أمام عينيه أبعادٌ فكريّة وثقافيّة، وفنون مصاحبة وآداب وتراث وتاريخ وأنماط حياتيّة، ومن هنا جاء الهدف المعرفي الذي يتيحه «سكيك الشعراء» خلال تجوالنا الذهني والبصري، ومن ثمّ العودة إلى بيوتنا ونحن نشعر بأهميّة المادّة التوثيقيّة التي تمّ جمعها عن هؤلاء الشعراء.
وفي أروقة هذا المتحف الذي تهدف رسالته إلى التواصل مع كلّ المؤسسات والهيئات الوطنية والدولية والإقليمية المعنية بالأدب الشعبي سنسير في رحلة مع الشعراء: حمد بن خليفة بوشهاب، حسين بن ناصر لوتاه، راشد بن ثاني الشامسي، راشد الخضر، راشد العصري، سالم بن حميد البحري، ربيع بن ياقوت، سيف بن سليمان، سلطان الشاعر، محمد سعيد الجراح.

مبدعون كبار
وكتعبير عن هذا العمل الذي يشكّل ركناً مهماً في الحفاظ على التراث الوطني أكّد شعراء أهميّة مبادرة «سكيك الشعراء» في الاحتفاء بالرواد، كمبدعين كبار، أخلصوا لتدوين تفاصيلنا المجتمعية والثقافية في فترتهم وفترات سابقة. وكانوا بالفعل نموذجاً للوفاء الكبير للشعر، في نقل أوجه الحياة آنذاك والتعبير عنها، هذا عدا عما تحمله أنفاس هؤلاء الشعراء من رونق وحلم جميل، وشفافية عالية، وحب للحياة والناس، ولذلك فإنّ هذا العمل سيقرّبهم كثيراً إلى وجدان الشباب اليوم، ويذكّرنا جميعاً بسير حياتهم المدهشة والمليئة بالإبداع.
وفي هذا المقام، أكّد الشاعر سعود الدوسري أهميّة هذا العمل التراثي المهم، منطلقاً من أنّ هؤلاء الشعراء الذين نستذكرهم من خلال هذا العمل النبيل كانوا بالأمس القريب يكتبون قصائدهم، ويتنفّسون عذب الكلام صباح مساء، وكانت لهم إسهامات جليلة في مشوارهم الطويل، الذي أخلصوا له من خلال تصويرهم الإبداعي لتفاصيل الحياة، وقضايا الشاعر وأحاسيسه، ورسالة الشعر السامية والخالدة. وتميّزهم صورهم العذبة بما تركوه في ذاكرة الأجيال، مما يؤثّر بشكل إيجابيّ في ذوق القارئ ووجدانه، ويجعله يعيش معهم أحلامهم، وحبهم لوطنهم ومجتمعهم وقربهم من الناس.

تذكير للشعراء الشباب
وبدوره، اعتبر الشاعر سعيد بن غليطة مبادرة «سكيك شعراء عجمان» مبادرةً جميلةً وخدمةً جليلة مقدَّمة لشعراء الإمارات، من خلال مشروع لتخليد شعرائها الذين كان لهم دورٌ في صناعة الإبداع وتوثيقه من خلال الشعر. ورأى أنّ هذا المشروع هو بمثابة تذكير قوي للشعراء الشباب بالشعراء الذين خدموا الدولة وإمارة عجمان، معرباً عن تقديره لإمارة عجمان على هذه المبادرة الأصيلة والتي تحترم الإبداع والثقافة وترسّخ دور الكلمة في هذه الحياة.

النهضة الأدبيّة
وأكّد الشاعر والباحث حميد الرئيسي ما لشعراء عجمان من الريادة والإسهام في النهضة الأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في الإمارات، وفي موضوع الشعر النبطي، في ميادينه المتعددة.
ودلل الرئيسي على هذا الاتساع في الحضور الشعريّ، بما امتلكه هؤلاء الشعراء من ثقافة كبيرة، بسبب سفرهم واطلاعهم المستمر، ووقوفهم على ثقافات متنوعة للمدن والبلدان التي ارتبطوا معها بعلاقات تجاريّة وتعليمية.
ورأى الرئيسي أنّ «سكيك الشعراء» هو تجسيد لجوانب اجتماعيّة ومناحٍ حياتيّة متنوعة في فترة ما قبل النفط، بما يوفّره من سير لهؤلاء الشعراء المشهورين في عجمان، مشيداً بما يستوحيه الزائر في هذا المكان الهادئ، وتصميم الجدران التي تتزيّن بصور وقصائد الشعراء، والأرضيّات والأبواب القديمة، وهو ما يضفي على المكان سحراً ورونقاً لهذا «السكيك»، وما يحمله من الذكريات العبقة بتاريخ الأدب والثقافة والشعر.

توثيق التراث 
في قراءتنا لسير الشعراء، سنقف أولاً على جانب من إبداعات الشاعر حمد بن خليفة بوشهاب المولود عام 1932 بعجمان، والذي أحب الشعر مبكراً، واهتمّ بتوثيق التراث الإماراتي، وتحديداً في الشعر. وبالطبع، فلن ننسى جهوده في إشرافه على إصدار دواوين نبطية لشعراء كثيرين، فلقد عُيّن وزيراً مفوضاً بوزارة الخارجية، ويُعدّ أول من قدم برامج الشعر الشعبي عبر تلفزيون الكويت من دبي، وأول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية، وقد رحل عن عالمنا بجنيف عام 2002. ومن أشعار حمد بن شهاب:
أشوف في عينك مشاريع وانْهار
تَسْقي ورود ظْلالها من جفونك
في قلبك الجنّه وفي قلبي النّار
يا ليت حَرّ الوجْد يصهر شجونك.

جماليات الساحل والبادية
ونتعرّف إلى الشاعر حسين لوتاه المولود في دبي عام 1885 والمتوفى في رأس الخيمة عام 1948، وقد ابتعد هذا الشاعر عن الإسفاف، وكان، إضافةً إلى كونه شاعراً، خبيراً باللؤلؤ وتجارته، وكتب في شعر الغزل دون خدش للحياء، كما كان ممثلاً في أشعاره للبيئة الإماراتية البحرية والصحراوية، وجماليات الساحل والبادية، ومجسّداً لتداعيات الزمان والمكان. يقول ابن لوتاه:
فِضا (عيْمان) ذَكّرْني بْناسي
وذَكَّرْني الهوى ما كنت ناسي
ألا يا الله مِنْ وَقْتٍ مِضى لي
بْوادي التّيه مِسْتانس بْناسي
غِدا وقت الشّراغه يا الحبيب
ودِعْ رَبّك عسى لك يِسْتجيب
يعزّ السوق وِتْعَمْر الغبيب
ويغلي الجَوّ مِنْ ناعم وراسي.

غواص بحور الشعر
والشاعر راشد بن ثاني الشامسي، المولود في عجمان عام 1906، وقد قرض الشعر في سن مبكّرة، والتحق بمهنة الغوص، وبرع في شعر الرثاء، وكتب في أغراض اجتماعية، وفي شعر الغوص، ولكنّه توفي مبكراً عام 1953، بعد أن ترك مساجلات كثيرة مع الشعراء، إذ تناقل الرواة أشعاره التي اشتملت على قصائد في الحكمة والأمثال، خصوصاً قصيدته المؤثرة في رثاء زوجته وابنه، والتي يقول فيها:
قزرت عشر اسنين ما اون
وافواديه ريض اومبسوط
مستانس فيهن اومطمن
ما بي عسر ولا اشتكي افروط
مضنوني احذايه اويسمن
وانا سمين الحال وآحوط.

فارس القصيدة الغزلية
وحين نطالع سيرة الإبداع لدى الشاعر راشد الخضر المولود في عجمان عام 1905، والذي رحل عن عالمنا في عام 1980، فإننا سنقرأ أشعاراً لفارس القصيدة الغزلية في الإمارات، الذي امتاز شعره بالصور المبتكرة التي كان يولّدها خياله، وخاصةً أنّه كان كثير الاطلاع على ثقافات الشعوب والاحتكاك بها بسبب سفره الكثير، مثلما كان كثير الاعتداد بنفسه كشاعر، وله رأيٌ جميل في أنّ الحب يحمل معاني نبيلة في التسامح والودّ والصفح، يقول الخضر:
شتان بينن فرق ابعيد
شن نحس صار وشن سعد صار
ظل الفرط في الحر ما ايفيد
ما باه عن ظل هنبا واصبار
وظل السدر والغاف تشييد
يغني عن اعلا افلل واسوار.

الشاعر الفنان
ونقرأ سيرة الشاعر المبدع سلطان الشاعر المولود سنة 1939، بوصفه من الشعراء المجيدين الذين ارتبطوا بذاكرة الجمهور الإماراتي والخليجي والعربي، بسبب إسهاماته الدراميّة والمسرحية في بدايات الحركة الفنية في الإمارات، وفضلاً عن شعره الفكاهي الاجتماعي الناقد، واهتمامه بتصوير المشاهد اليومية، فقد كان أيضاً فناناً وممثلاً قديراً، توفي سنة 2009، وترك حضوره الكبير في وجدان المشاهدين، خاصةً في المسلسل الإماراتي القديم الذي برع فيه «اشحفان». يقول سلطان الشاعر:
وان ييْت عاني صوب (عيْمان)
با تَنْظره غالي المِثَامين
أبْيض حمَر ومْشكّل ألْوَان
زاهي بْكمال الْحِسن والزّين.

شعر النصيحة
الشاعر راشد العصري، من شعراء إمارة عجمان المخضرمين، وقد تميّز بأنّه كان أميناً في نسبة القصائد التي يحفظها لأصحابها، فضلاً عن كونه شاعراً مُجيداً في أغراض كثيرة، خاصةً في شعر النصيحة، ومن أعذب قصائده ما قاله في رثاء أخته، إضافة إلى كونه أرشيفاً متنقلاً للشعراء في فترات سابقة، وتحديداً في الأربعينيات والخمسينيات، وقد رحل عن دنيانا سنة 2018. يقول العصري:  
ما هوْب قول انْقال أوْ قول جهّال
شروَى وضوح الشّمس ما ينْكرونه
أهْدي لكم شعْري مدوّن في الاسْجال
لاهْل المكارم لي حْضَروا يسْمعونه.

تباريح وحنين
ونتعرّف أيضاً على إبداعات الشاعر سالم بن حميد البحري، وهو من رموز الشعر في الإمارات وفي عجمان، وقد عاصر شعراء مشهورين، واشتهر بمشاكاته وطرحه همومه وتباريحه وحنينه إلى الماضي، وله شعر جميل في حواره دموعه وشكواه من السهر، وتمتاز ألفاظه بقوّتها وتعبيرها، وقد عاصر شعراء كباراً، منهم راشد الخضر، وحمد بن سليمان الشامسي، وعدداً من الشعراء الرواد. يقول سالم البحري:
يا عين دمعك جرَّح الْخَدّ
بكْ ضاقت الدّنيا والَافْلاك
كثْر البكي مَاْ يْقَرّب البِعد
غير الصبر للضّيْج مِسْلاك
يا الوِدّ عن لاماك لابِدّ
لا قام حظّي دون لاماك.

الشعر والتراث
الشاعر ربيع بن ياقوت، المولود في عجمان عام 1930 تقريباً، علاوةً على كونه شاعراً، فقد كانت لديه أيضاً اهتمامات تراثيّة، إذ تولى فترة مسؤولية إدارة جمعية الفنون الشعبية بعجمان، واهتم كثيراً بخدمة التراث، ولنا أن نستمتع بقصائده الاجتماعية والقوميّة التي عرض فيها مشاكل المجتمع وقضاياه بأسلوبه الناقد الممزوج بحسّ الفكاهة. يقول بن ياقوت:
اهْنَه انْخله وِهْناك غافه
بيْت الشَّعَر في حضْن دعْثور
البيْت قد رسّت اطْرافه
متْداعيٍ والعمر مكسور
وهْنِيْه برْزِه للضّيافه
حضْره وبَرْزة كلّ منْعور.

أعذب الألفاظ
ونطالع كذلك سيرة الشاعر سيف بن سليمان الشامسي، المولود بداية الأربعينيات من القرن الماضي، كأحد رموز الشعر بعجمان، وهو شاعر ينحدر من عائلة تعشق الشعر، وقد اشتغل بالغوص والوظيفة العامة، وكان محفوظه من الشعر الشعبي وافراً، بصفته جامعاً وراوياً، وقد أسهم في توثيق دواوين شعرية مهمة، مثل «خدلج»، و«سفرجل»، وله كتب لا تقلّ أهميّة عن ذلك، مثل «أعذب الألفاظ في ذاكرة الحفاظ». يقول ابن سليمان:
ما احْلاك يا «كورْنيش (عيْمان)»
يا ما اكْثر العالم به اتْيُول
فيه النّسيم يْهِبّ ذَنّان
والهَمّ لي في قلبك يْزول
لَوَّل ترَى يطْرُون (لِبْنان)
واليوْم (عيْمانٍ) بها امْثول.

الحس الجميل
ونطالع كذلك سيرة الشاعر محمد سعيد الجراح المولود بعجمان سنة 1952، والمتوفى سنة 1994، ونتعرّف إلى عمله دبلوماسيّاً في أكثر من بلد أجنبي، واكتسابه في شعره جمال الروح وعذوبة المفردة والحس الجميل في الشكوى، علاوةً على قصائده التي أدّاها عددٌ من الشعراء العرب الكبار، ونلمس خاصةً في شعره معنى الحنين والشوق إلى الوطن. وقد رحل هذا الشاعر مبكّراً عن جمهوره ومحبيه، تاركاً شعره في ديوانه المعروف والقريب منا جميعاً «ونّاس». يقول الجراح: 
ونّيت يوم اذْكرت (عيْمان)
وازَمْت كَنّي في دواليب
يمضي عليّ اللَّيْل سَهْران
واصْبِح أهُوْجِس لين لِمْ غيب
واتْظِنّني الْأَصحاب فَرْحان
وانا الشِّجي لي خايف الْعيب.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©