بكين لم تُخفِ غضبها من بعض الدول

أساليب التنمر الصينية تؤدي إلى توحيد صف خصومها

صورة

خلال السنوات الأخيرة لم تُخفِ الصين غضبها من بعض الدول الأخرى، حيث كانت تعرب عن ذلك الغضب في بعض الأحيان، من خلال التغريدات والخطابات المتشددة لدبلوماسيين عدوانيين من الشباب، وأحياناً أخرى من خلال المقاطعات غير المعلنة رسمياً، والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية.

من ناحية أخرى، وجد أعضاء التحالفات، التي شكلتها الولايات المتحدة، أنها صارت الطرف المُتلقي، ومن بينها كوريا الجنوبية وكندا، وحتى النرويج المعروفة باعتدالها، بحسب ما نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

ومع ذلك، فإن الانتقادات التي وجهها مسؤولون صينيون لأستراليا هذا الأسبوع، تمثل تصعيداً ملحوظاً. وكانت الانتقادات صريحة بصورة صادمة، حيث قدمت السفارة الصينية في كانبيرا للصحافيين قائمة تضم 14 طريقة أخطأت أستراليا من خلالها.

وقد كانت القائمة شاملة بشكل يكاد يكون مضحكاً، حيث استشهدت بكل شيء، بداية من العقبات التي أثيرت تجاه الاستثمارات الصينية في أستراليا، وصولاً إلى تمويل الحكومة الاتحادية للمراكز البحثية التي توجه انتقادات.

من جانبه، ردّ رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، يوم الخميس الماضي، على قائمة الشكاوى من جانب السفارة الصينية في كانبيرا، قائلاً: «إن البلاد ستواصل العمل بما يخدم مصالحها ولن تغيّر سياستها».

وتم «تسريب» ملف يضم قائمة من 14 شكوى إلى وسائل إعلام من قبل سفارة الصين في كانبيرا، بعد أن وقعت أستراليا واليابان، في الأسبوع الماضي، اتفاقية دفاع تاريخية.

ويتهم الملف موريسون بـ«تسميم العلاقات الثنائية» بوقوفه مع حملة الولايات المتحدة ضد الصين، و«إطلاق حملة تستهدف علاقات الصين مع تايوان وهونغ كونغ».

وبالنظر إلى أن الصين قد بدأت بالفعل في تقييد استيراد مجموعة واسعة من المنتجات الأسترالية، من النبيذ وحتى الفحم، فقد كان التهديد صريحاً بالقدر نفسه. وقال أحد المسؤولين الصينيين لصحافي في كانبيرا إن «الصين غاضبة.. إذا جعلت الصين عدواً، فإن الصين ستكون عدواً».

وأشارت وكالة «بلومبرغ» إلى أن الأمر سيجعل الكثير من الأستراليين يشعرون بالقلق، حيث إن نحو ثلث صادرات البلاد من السلع والخدمات يذهب إلى الصين.

وتوترت العلاقات بين الصين وأستراليا بشكل متزايد هذا العام، بعد أن أيّدت كانبيرا دعوات من جانب الولايات المتحدة لإجراء تحقيق في أصول جائحة فيروس «كورونا».

وفي الوقت نفسه، قد يتفق الكثير من المسؤولين التنفيذيين من شركات التعدين ومصدري المواد الغذائية وما شابه، مع وزير المالية الأسترالي جوش فرايدنبرغ، الذي قال قبل أن تصدر السفارة قائمتها، إن «الانفصال عن سلاسل التوريد المتمركزة في الصين، سيكون له تكاليف اقتصادية ضخمة»، مشيراً إلى أنه «من الممكن أن نعمل مع الصين بدلاً من ذلك».

ويظهر رد فعل الصين تجاه مناشدة فرايدنبرغ من أجل تخفيف حدة التوتر، مدى احتمال حدوث ذلك. ومن المؤكد أن ممارسة الضغط على الصادرات الأسترالية، بينما تمر البلاد بأول فترة ركود اقتصادي لها منذ 30 عاماً، ليس هو الأمر الذي يقوم به شريك موثوق به.

ومن المحتمل أن تكون تلك هي علامة على الطريقة التي ستنتهي بها الحرب الاقتصادية الباردة الجديدة. فقد أوضحت الصين أنها تعتزم الاعتماد على اقتصادها الهائل كسلاح.

وسيكون الوصول إلى المستهلكين الصينيين، والأرباح من الأسواق المالية في البر الرئيس، والاستثمار في البنية التحتية، مشروطة جميعها بسلوك وخطاب الدول الشريكة، بحسب «بلومبرغ».

في المقابل، سيؤدي ذلك إلى إثارة حجج جديدة داخل تلك الدول، حيث سيصطف رأس المال المتحالف مع المصدرين و«الحمائم» الصينيين، أمام ليبراليي السوق المتحالفين مع المنتجين المحليين و«صقور» الأمن القومي.

وتكمن مشكلة الصين في أنها قامت بعمل شنيع في استغلالها لتلك الانقسامات حتى الآن. ولم تجبر جهودها كندا أو كوريا الجنوبية على الاستسلام، كما أنه ليس هناك سبب للاعتقاد بأنها ستكون أفضل حالاً في أستراليا.

ويبدو أن القادة الصينيين لا يتعلمون، حيث إن إهانة الدول الأخرى علناً، مهما كانت تلك الدول صغيرة، يجعل التعاون والتوصل إلى تسوية، أمراً مستحيلاً من الناحية السياسية.

في الواقع، فإن الحجة المتعلقة بتنويع أسواق التصدير وسلاسل التوريد، بالنسبة لكثير من الشركاء التجاريين للصين وليس لأستراليا فحسب، صارت أكثر إقناعاً اليوم مما كانت عليه في الأسبوع الماضي، بحسب «بلومبرغ».

ويتعين على الصين أن تتذكر أنه من الممكن أن يستمر الاحتياج في الاتجاهين. وعلى صعيد آخر، فإن «الخيار النووي» بالنسبة لأستراليا، هو تعليق صادرات خام الحديد - التي تعمل على دفع عجلة صناعة الصلب في البر الرئيس - إلى الصين، بحسب «بلومبرغ».

وسيكون هذا «الخيار النووي» أقوى، إذا لم تكن الصين قريبة من السيطرة على منجم «سيماندو» لخام الحديد في غينيا، الذي يعدّ واحداً من أكبر احتياطات خام الحديد العالي الجودة في العالم.

ويجب أن يكون هذا درساً لشركاء الصين التجاريين، حيث إن إيجاد أسواق خارج الصين، أو العثور على مورّدين أكثر كفاءة من هؤلاء الموجودين في البر الرئيس، سيتكلف أموالاً. وسيكون من الصعب الدفاع عن الموارد التي قد تستغلها بكين لمصلحتها.

وبينما تستعد الصين بالتنمر على الدول الأصغر واحدة تلو الأخرى، فإنها تشعر بالاستياء عندما يتورط الآخرون في تلك النزاعات. وتعدّ الطريقة الوحيدة التي يمكن للعالم من خلالها التعامل مع الصين التي تستخدم قوتها الاقتصادية كسلاح، هي الاتحاد سوياً والتفكير خطوتين إلى الأمام.


- الانتقادات التي وجهها مسؤولون صينيون لأستراليا، هذا الأسبوع، تمثل تصعيداً ملحوظاً، حيث قدمت السفارة الصينية في كانبيرا للصحافيين قائمة تضم 14 طريقة أخطأت أستراليا من خلالها.

- وجد أعضاء التحالفات، التي شكلتها الولايات المتحدة، أنها صارت الطرف المُتلقي، من بينها كوريا الجنوبية وكندا، وحتى النرويج المعروفة باعتدالها.

تويتر