الصين وأمريكا.. أعراض سياسية لـ«كوفيد ـ 19»

00:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد سعد أبو عامود *

ازدادت حدة الخلافات والتوتر في العلاقات الصينية - الأمريكية، منذ تولي الرئيس الصيني الحالي شي جين بينج في الرابع عشر من مارس/آذار 2013 في ظل إدارة الرئيس أوباما، وازدادت حدة التوتر وتصاعدت الخلافات لتصل إلى مرحلة الحرب التجارية المتبادلة بين القوتين الاقتصاديتين الأعظم في العالم في عهد الرئيس ترامب.
هذا الخلاف كانت له آثاره الاقتصادية السلبية على النمو الاقتصادي للبلدين، والاقتصاد العالمي. وركزت الأدبيات الأمريكية على أن الخلافات بين البلدين ترجع إلى أسباب جذرية في سياق التفاعلات الصينية - الأمريكية، وأن التوتر بينهما يصل إلى مدى أعمق من مجرد خلاف تجاري، وبالتالي فإن الاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه مؤخراً لن يحقق فارقاً كبيراً، ويرجعون ذلك إلى ما يرونه أنه يعد تحولاً سلبياً في المواقف الصينية نحو الولايات المتحدة، واتخاذ الإدارة الصينية الحالية مواقف متشددة، الأمر الذي ألحق أضراراً كبيرة بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية سواء الاقتصادية أو السياسية أو التكنولوجية؛ لكن الأمر الذي أثار القلق الأمريكي، هو الطموح الصيني لقيادة العالم في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي والمجالات الأخرى ذات الصلة بالفضاء السيبراني؛ لأن تفوق الصين في هذه المجالات سيؤدي إلى تجاوزها الولايات المتحدة كقوة عظمى أولى، وهو الأمر الذي له صلة بالتفوق العسكري الأمريكي الذي يقوم على أنظمة من الأسلحة المتقدمة تكنولوجياً، ما دفع البنتاجون إلى صياغة استراتيجية جديدة؛ للتعامل مع الصعود الصيني، واعتباره تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، وظهر هذا الاتجاه في استراتيجية الأمن القومي التي نشرت في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، والتي اعتبرت الوثيقة الرئيسية في الحكومة التي يجب أن تسترشد بها كل الوزارات، ومثلت تحولاً عميقاً تجاه الصين، وفقاً لدراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن.


إعاقة الصعود الصيني


وبالنسبة لموقف الولايات المتحدة تجاه الصين، فقد قام على أساس أنها تسعى إلى إعاقة الصعود الصيني، وهو ما تأكد من ممارسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة وفقاً للرؤية الصينية، وتعاملت معه السلطات الصينية بحذر في إطار التطور المستمر لعلاقات القوة بين البلدين، والتي فرضت عليها تبني استراتيجيات دفاعية؛ للتصدي للمحاولات الأمريكية لإعاقة الصعود الصيني، ونجحت في هذا إلى حد كبير، الأمر الذي أدى إلى حدوث تحول استراتيجي في توازن القوى بين البلدين، مع وصول الرئيس بينج إلى الحكم، والذي طرح رؤية مغايرة لإدارة العلاقات بين البلدين، تقوم على قدر أكبر من الندية وتوازن المصالح، وهو الأمر الذي لم تقبله إدارتا أوباما وترامب، ووصلت بالتالي هذه العلاقات إلى أقصى درجات التأزم في المرحلة الحالية.
في ظل هذا الوضع المتوتر تفجرت أزمة فيروس «كورونا» المستجد الذي ظهر وانتشر بسرعة في الصين التي أصدرت في 31 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، أول تحذير بخصوص هذا المرض وأبلغت منظمة الصحة العالمية بحالات الإصابة بالفيروس في ووهان، وأكدت لجنة الصحة الوطنية بالصين يوم 26 يناير/كانون الثاني 2020، أن قدرة فيروس «كورونا» على الانتقال تزداد قوة، وأن عدد حالات الإصابة بالعدوى يواصل الارتفاع، وعلى الرغم من جهود السلطات الصينية في مكافحة انتشار المرض، فإنه أصاب 81 ألفاً، توفي منهم ثلاثة آلاف ووصل عدد المتعافين إلى ما يزيد على 54 ألفاً، وفقاً للمصادر الصينية، ولم يتوقف تسجيل إصابات في الصين إلا بدءاً من 19 مارس/آذار 2020، ويذكر أن المرض انتشر في عدد كبير من الدول وفقاً لمنظمة الصحة العالمية التي اعتبرته وباء عالمياً.


تطورات واتهامات


وتشير التطورات في نطاق أزمة فيروس «كورونا» في ظل العلاقات الأمريكية- الصينية القائمة إلى الآتي:
1 - على الرغم من التزام الإدارة الصينية بإبلاغ منظمة الصحة العالمية، والمجتمع الدولي منذ البداية بكافة المعلومات التي توافرت لديها بخصوص هذا المرض، فإن مستوى الاستجابة لم يكن متناسباً مع طبيعة الخطر الذي يمثله هذا المرض على المستوى الدولي.
2 - تعرضت الصين لضغوط إعلامية شديدة من أجهزة الإعلام الغربية التي اتهمت الإدارة الصينية بعدم القدرة على إدارة الأزمة بالكفاءة المطلوبة، وبالغت في تصوير الأوضاع الإنسانية المترتبة على الأزمة؛ لإظهار الفشل الصيني في التعاطي معها، ما دفع الرئيس الصيني إلى القول بأن الآثار السلبية للحملات الإعلامية، تفوق الآثار التي تنتج عن الفيروس ذاته.
3- اتجهت الدولتان لتبادل الاتهامات بشأن المسؤول عن ظهور هذا الفيروس، وانتشاره فالمتحدث الصيني قال: إن الجيش الأمريكي، ربما جلب الفيروس إلى مدينة ووهان الصينية التي كانت الأكثر تضرراً، ثم وجه اتهاماً مباشراً، فتحدث عن وجود إثباتات تؤكد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، هي التي نشرت فيروس «كورونا» في الصين، وهو ما احتجت عليه الولايات المتحدة التي وجهت انتقادات للصين وحمّلتها مسؤولية انتشار المرض؛ لإخفائها المعلومات بشأن «كورونا» بدلاً من بذل الجهود لمنع انتشاره، واتهمت مصادر أخرى، الصين بأنها وراء تصنيع هذا الفيروس في أحد مصانع ووهان، وهو ما نفته الصين. ووفقاً لموقع «فورين أفيرز» فإن حالة عدم الثقة بين الولايات المتحدة والصين، هي السبب في انتشار نظريات المؤامرة الخطرة حول فيروس «كورونا».
4- على الرغم من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الصيني؛ نتيجة أزمة «كورونا»، فإن هناك تقارير تشير إلى أن الصينيين تمكنوا من توظيف هذا الوباء اقتصادياً، فاشتري المستثمرون الصينيون أسهم العديد من الشركات العالمية بأسعار مرضية سيتحسن سعرها بعد تراجع خطر الفيروس لتصبح أسهم الشركات بأيديهم وليس بأيدي الشركاء الأجانب، ليتمكنوا من فرض كلمتهم في العمليات التجارية لهذه الشركات، كونهم يملكون الحصص الأكبر، كما أن الصين قامت باستغلال أزمة انخفاض أسعار النفط لتشتري كميات كبيرة وبسعر منخفض، للاستهلاك المحلي ولأغراض استراتيجية، لتقوم ببيعه لاحقاً بأسعار مرتفعة، كما أن بعض تقارير صندوق النقد الدولي تشير إلى بدء تعافي الاقتصاد الصيني.
5- ظهر اتجاه في الأدبيات الأمريكية يربط بين أزمة «كورونا»، وإعادة تشكيل النظام الدولي في المرحلة القادمة، وهو ما يعني أن التطورات التي ستشهدها إدارة الأزمة، من جانب الصين والولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى، سوف تحدد الملامح العامة لمستقبل النظام الدولي.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان المصرية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"