نعم.. مصر تغيرت

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

٢٥ يناير يوم فاصل في حياة المصريين، يختلف ما قبله عما بعده، وبعد تسع سنوات من حراك جموع جماهيرية في هذا التاريخ غضباً، على مختلف بقاع الجغرافيا المصرية، لا يزال الخلاف محتدماً والجدل مستمراً حول تصنيف ما حدث في ذلك اليوم، بعضهم يراه ثورة شعب، وآخرون يرونه مؤامرة على شعب، وفئة ثالثة تعتبره انتفاضة غضب، والكل يجمع على أنه يوم سيتوقف عنده التاريخ مطولاً.
والحقيقة أن ما حدث في ٢٥ يناير وما بعده يحتمل كل التصنيفات السابقة، فقد كان ثورة شعب على نظام شاخ وترك الدولة تعبث بمقدراتها أيدي أصحاب المصالح، وينال منها الفاسدون والمفسدون حتى أصابها الوهن السياسي، وأصبحت خارج الصلاحية محلياً وإقليمياً ودولياً، لتدخل دائرة الانحدار، ويهدد مصيرها ومسارها، والنتيجة فساد وفوضى وترهل، وهو ما أسفر عن ثورة شعبية تآمر خلالها المتربصون والمتآمرون وصناع الأزمات ومستغلو الغضب، على الشعب والدولة، ليعبثوا بالجميع ويرتكبوا الجرائم الكبرى، ويلصقونها بالنظام، مستغلين اهتراءه وغضب الناس عليه، وساعد في ذلك أن البعض ممن حركوا الجماهير لم تكن نواياهم بريئة، ولم يكن هدفهم التغيير السلمي، بقدر ما كان البحث عن دور والطمع في السلطة، حتى لو كان الثمن سقوط الدولة وسيادة الفوضى.
كان من حق الناس أن تغضب وأن تثور سعياً لتغيير النظام وإعادة مصر إلى مكانتها المفقودة، ولكن في مثل هذه الحالات ومع دولة كبيرة القيمة والقامة مثل مصر احتشدت قوى الشر حولها، ولكل منها مطامعه الخاصة، ولكن يجمعهم هدف واحد هو العبث بجغرافيا المنطقة كاملة. وبالفعل حقق أهل الشر بعضاً من أهدافهم، وأصيبت مصر بالشلل، وتوقفت حركة الإنتاج، وتحكم فيها صناع الإرهاب. ولأنها محروسة من الله عز وجل، فقد انقلب السحر على الساحر، وتغيرت ولكن للأفضل، ونالت من الدواء ما شفاها من أمراض وأوجاع أصابتها قبل ٢٥ يناير، وكادت تسقطها بعده، ولعل أهم هذه الأمراض هو انكشاف حقيقة جماعة الإخوان أمام جموع المصريين، باستثناء القلة التي تنتمي إليها وهؤلاء المغيبين من المتعاطفين مع فكرها المنحرف.
قبل ٢٥ يناير كانت أغلبية المصريين تصف الإخوان بأنهم «بتوع ربنا» بعد أن انطلت عليهم أكاذيبهم وأسهم في ذلك غياب الدولة عن معظم مدنها وقراها، وبعد أن ركبت الجماعة الإرهابية الثورة، وسطت على قرار الدولة اكتشف البسطاء والمضلَّلين أن هذه الجماعة تتخذ الدين مطية لتحقيق مآربها السياسية، وأنهم «بتوع عنف وإرهاب وسلطة» وأهل خراب ودمار وفوضى وأعداء للتطور والتنمية والنظام، يعيشون في كهوف التاريخ ولا يتطلعون إلى المستقبل، ولديهم كامل الاستعداد لهدم المعبد لمصلحة من يدفع لهم ويمكنهم من سرقة الوطن، ولذا كان الزحف الجماهيري الغفير في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لإسقاط حكم المرشد واستعادة الدولة.
وعلى الرغم من أن الجماعة الإرهابية تدرك جيداً أنها أصبحت منبوذة اجتماعياً ومرفوضة سياسياً، إلا أنها ومن يمولونها لا ترى ما يحدث على أرض مصر.
لولا ٢٥ يناير و٣٠ يونيو لكنا ما زلنا نعيش تحت سطوة أكاذيب «بتوع ربنا» اجتماعياً، ولكان نشطاء الخداع على مواقع التواصل نجحوا في تحريك الشارع ضد استقرار وطنه، ولكانت مصر ما زالت غارقة في سبات عميق وغافلة عما يحدث حولها في العالم، ولكان المتآمرون والمتربصون في الداخل والخارج يزدادون عبثاً بعقول أبنائنا، وما كان اقتصادنا استعاد عافيته، ولفتت إصلاحاته نظر المؤسسات الدولية التي غيرت تصنيفه، وتوقعت له الأفضل خلال السنوات القادمة، وما كنّا تباهينا بالمشروعات الكبرى التي تغطي مساحة مصر.
نعم مصر تغيرت، واستعادت وعيها بفضل ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وإن كانت لا تزال تعاني من بعض الأمراض التي تستلزم مزيداً من الوعي، وأهمها فوضى المخالفات المرورية التي لم تحد منها شبكة الطرق التي أصبحت تنافس الأفضل عالمياً، بجانب فساد بعض الموظفين الذين لا يرتدعون من الفاسدين القابعين خلف جدران السجون، والفهلوة التي يأخذها البعض وسيلة سهلة لتحقيق مطالبه، وأمراض أخرى يستطيع الشعب المصري أن يشفى منها بإرادة وتوحد أبنائه، لتنطلق إلى المستقبل خالية من أدران الماضي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"