الهزيمة في انتظار الجميع

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في أفلام «الأكشن» الأمريكية يتقاتل الخصوم من أجل المال، ويتساقطون واحداً تلو الآخر، وفي النهاية تغرق الثروة التي يتصارعون عليها في مياه البحر، أو تذهب في انفجار، أو حريق. المعنى أنه لا يوجد طرف فائز في أي صراع طالما أن هناك خطراً أكبر تتضاءل أمامه جدوى وقيمة المعركة. ولا يختلف مصير صراعات العالم الواقعي كثيراً عن سيناريوهات هوليوود. تتقاتل الدول والجماعات، ويسقط الآلاف صرعى، وفي النهاية سيواجه المنتصرون والمنهزمون معاً، الخطر الداهم نفسه الذي تخيم أشباحه حالياً على كوكب الأرض.
تحذيرات علماء المناخ والبيئة والفلك والطب، تنبئنا بمخاطر مفجعة قد تداهم البشرية بينما ينشغل البشر بصراعاتهم، وحروبهم العبثية. ويتحدث العلماء عن أخطار مرتبطة بالتغيرات المناخية، بكل ما تسببه من جفاف، أو فيضانات، ومجاعات، وهجرات جماعية، وحروب، على الموارد التي ستصبح شحيحة. يتحدثون أيضاً عن كوارث طبيعية مثل الزلازل، أو البراكين، أو اصطدام أجسام فضائية عملاقة بالأرض، وهناك الأمراض التي يتخوفون من انتشارها الوبائي. كل هذه الأخطار ستحصد حياة الملايين.
ما يثير قلق العلماء ليس حدوث كارثة من هذه الكوارث فقط، ولكن أيضاً عدم الاهتمام الكافي من القادة السياسيين الذين ينفقون الملايين لمكافحة الهجمات الإرهابية، إلا أنهم لا يهتمون بالقدر نفسه بالهجمات الفيروسية، رغم أنها قد تكون أكثر تدميراً للبشر والاقتصاد معاً.
وبالفعل تثبت الأرقام الرسمية أن العدو الأول للبشرية، سواء من حيث عدد الضحايا أو التكلفة المادية، هي الأمراض، وليس الإرهاب. وتظهر إحصاءات جامعة أكسفورد أنه خلال العقد الماضي كان متوسط عدد ضحايا الإرهاب في العالم 21 ألف قتيل سنوياً، فيما توضح بيانات منظمة الصحة العالمية أن تلوث الهواء وما يرتبط به من أمراض يؤدي إلى وفاة سبعة ملايين إنسان كل عام، ما يبين الفارق الهائل بين أعداد ضحايا الإرهاب، والأمراض.
وعلى المستوى الاقتصادي، يفيد موقع «ستاتيستا» المعني بتوفير الإحصاءات، أن خسائر الإرهاب بلغت 33 مليار دولار في 2018 نزولاً من 54 ملياراً في 2017 وهي أرقام ضخمة بالفعل، ولكنها تبدو متواضعة أمام خسائر الولايات المتحدة وحدها، بسبب الوفيات الناجمة عن الأزمات القلبية فقط، وتبلغ نحو 321 مليار دولار سنوياً.
وفي ضوء تلك الحقائق المفزعة أطلقت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي صيحة تحذير لكي تنبه القادة إلى أن خطر الأمراض يتجاوز بكثير أخطار الحروب والصراعات التي ينشغلون بها. وجاء تحذير المنظمة من خلال تقرير أصدرته بعنوان «تحديات عاجلة للعقد المقبل» وتضمن حقائق مخيفة عن الأمراض التي يمكن أن تفتك بالملايين في العالم معظمهم بالطبع في الدول الفقيرة، أو التي تشهد صراعات عسكرية. ولن تكون الدول النامية التي تنعم بالهدوء النسبي بعيدة عن الخطر نتيجة لسوء التغذية، وقصور الخدمات الصحية. ولذلك، فإن متوسط الأعمار في البلدان الفقيرة يقل بنحو 18 سنة عن مثيله في الدول الغنية.
ويلفت التقرير نظر قادة العالم إلى خطورة التغييرات المناخية، ويعتبر أن هذه الأزمة هي أزمة صحية في المقام الأول، لاسيما وأن الانبعاثات التي تسبب ارتفاع حرارة الأرض هي نفسها التي تسبب أكثر من ربع الأمراض المنتشرة، من أزمات قلبية إلى سكتات دماغية، وسرطان الرئة، والسل، وغيرها.
والأكثر إزعاجاً أن العلماء يتوقعون وفاة أربعة ملايين شخص هذا العام بسبب الأمراض المعدية، خاصة الملاريا، ونقص المناعة، «الايدز»، وأمراض الجهاز التنفسي.
ومثل الطبيب الذي يضطر لمصارحة المريض بحالته مهما كانت الحقيقة قاسية، تقدم المنظمة صورة قاتمة لحالة العالم والأخطار التي تهدد البشرية من دون محاولة لتجميلها، أو إخفاء تفاصيلها المحبطة. ولا يتسع المجال لعرض كل ما ورد في التقرير ولكنه يقول بوضوح إن البشرية تواجه خطراً حقيقياً، وإن الحروب الدائرة في العالم تسرع اندفاع الكوكب نحو الهاوية، وإنه حان الوقت لكي يتدخل العقلاء، فقد لا تكون أمامهم فرصة أخرى في المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"